شبّعناهم شتايم شبّعونا طراقات

بالرغم من انتمائنا، والبعض الآخر، للتيار التخلفي(!)، فإن ذلك لم يمنع «التيار التقدمي»، وهو فصيل منبثق عن حركة سياسية يسارية، من دعوتنا لحضور حلقة نقاشية تتعلق بالنية لتعديل المادة 79 من الدستور، بحيث يضاف إليها نص يفرض تماشي أي قانون يصدر مستقبلاً مع الشريعة قبل إقراره، وهذا يعني وضع جهة «افتاء ما» فوق الأمة! وقد أسهب منظمو الحلقة في شرح مخاطر اقتراح التعديل والتحذير من إقراره، وتحميل جهات ما المسؤولية، وضرورة عدم المساس بالدستور أو العبث به، وشرح التعقيدات التي ستنتج إن أقر القانون! وبالرغم من خطورة الموضوع والحاجة للتصدي له بقوة، ليس فقط لأن إقراره يعني القضاء كلياً، وإن بصورة غير مباشرة، على الدولة المدنية ودستور 1962، فإن الحضور، وأنا منهم، كان أكثر من قليل في عدده، وهزيلاً في قوته، وأقل ضعفاً حتى من بابا روما عندما «احتج» على احتلال هتلر لبولندا، وبالتالي لم يمتلك حضور الندوة غير التنفيس عما بداخلهم وتحميل السلطة كامل المسؤولية، وليذهب كل لبيته وأسرته!
ثلاثون عاماً، ونحن نكرر الأقاويل نفسها، ونطيل في سرد الأحاديث نفسها، ونبيّن المصاعب نفسها، ونشرح الظروف نفسها، ومع هذا لم نتقدم يوماً خطوة، ولا خطوة فعالة واحدة، أو نسعى بجدية إلى جمع كل هذا الشتات المسمى بمؤيدي الدولة المدنية من تقدميين واشتراكيين وليبراليين وعلمانيين، أو من يفضل «الوطنيين المعارضين لتسلط القوى الدينية وهيمنتها على مجلس الأمة والقرار السياسي»! ثلاثون عاماً، والزعامات التاريخية، التي يصعب على أي كان إنكار دورها الكبير وتضحياتها ومقاومتها الشرسة لكل مغريات السلطة والجاه، لا تزال ترفض ترك مقاعدها، وربما كان الأمر يهون لو أنها لم تعارض أصلاً في وحدة الصف والذوبان في هياكل تنظيمية أكبر! ثلاثون عاماً، ونحن نجتمع ونتكلم ونوصي وننصح ونطالب، ولا شيء يتحقق في نهاية الأمر. ثلاثون عاماً، ونحن نلوم السلطة، ونعلم يقيناً أن قوة الآخر تكمن في ضعفنا، والسلطة في أي مكان في العالم تقف مع الجهة الأقوى والأكثر تنظيماً، فمتى كنا منظمين، دع عنك أقوياء، في الثلاثين سنة الأخيرة؟ ثلاثون عاماً، لم نتعلم فيها غير الشجب والاستنكار والاحتجاج والرفض والتحذير، ثم لا شيء!
الطريف في الموضوع كان التعقيب الذي أدلى به السيد محمد عبدالقادر الجاسم، حيث ذكر ما معناه أن هناك مبالغة في التخوف من موضوع التعديل الدستوري، ومن الدولة الدينية ومن سيطرة الإسلاميين على المجلس، وأن لا مبرر لكل هذا الهلع والجزع!
***
• ملاحظة: سنتغيب عن الوطن لفترة طويلة، ولكن المقالات ستستمر.

الارشيف

Back to Top