لبنانيات

قلة من الناس تعرف مدن وتضاريس وقرى وجبال لبنان كما اعرفهاِ فقد كانت اول زيارة لي إلى ذلك البلد الجميل قبل اكثر من نصف قرن، ولم اتوقف منذ ذلك التاريخ عن زيارته سنويا بدون انقطاع حتى في اشد سنوات الحرب الاهلية حلكة وخطورة، ولم اترك مدينة او منطقة إلا وقمت بزيارتها والتعرف على اهلها.
كما ان قلة اقل من الناس تعرف اكثر مني عن موزاييك التوزيع الحزبي والديني والطائفي والعرقي المعقد لتلك الدولة التي تضم اكثر من 16 طائفة دينية يؤدي اتباعها صلواتهم بالعربية والارمنية والكردية والتركية والكلدانية والسريانية والفرنسية واللاتينية وغيرها، ويدينون بولائهم السياسي لمختلف الاحزاب الدينية والسياسية كالكتائب والقوات والطاشناق والهاشناق والناصريين وحزب الله وامل وكتلة ونجادة وقومي واشتراكي وشيوعي، وبعث سوري، وحتى بعث عراقي، وغير ذلك المئات من التقسيمات النافرة والمتنافرة.
كما ان بامكاني القول، وبفخر مشوب بالكثير من التواضع ان حبي للبنان يتجاوز حب الكثيرمن اللبنانيين لوطنهم، وليس في ذلك اي غرابة، فهناك الكثير من غير الكويتيين الذين يحبون الكويت اكثر من البعض من اهلها، بعد ان قننت بعض الاجهزة الحكومية حب الوطن واختصرته في قرض زواج وعلاوة اولاد وبيت سكن حكومي!!.
اقول كل ذلك بمناسبة الازمة التي مرت، ولا تزال تمر بها العلاقات الكويتية - اللبنانية نتيجة مواقف الدولتين المتباينة من حرب تحرير العراق، ذلك التباين الذي اججته وخلقته ونفخت به 'كافة' وسائل الاعلام اللبنانية التي وقفت، وبدون استثناء، وللمرة الاولى منذ عام 1943 موقفا موحدا من قضية ما، حيث قامت بتخطئة موقف الكويت وادانة دورها في حرب تحرير العراق والاصرار على معاداة شعبهاِ وكان غريبا حقا ملاحظة اتفاق محطتي المستقبل واللبنانية مع المنار و'ال ِبيِسي' على الوقوف في الخندق نفسه من هذه القضية، وكان الاغرب اتفاق رأي 'الأنوار' الى حد ما، مع آراء صحف مثل السفير والديار والشرق في ادانة الكويت، حكومة وشعبا، ولعنهم وسبهم على موقفهم من حرب تحرير العراق، ذلك الموقف الذي تبين للجميع الآن بأنه كان الموقف الصحيح!! نعيد ونقول انه كان غريبا حقا 'اتفاق' كافة وسائل الاعلام اللبنانية على الوقوف مع النظام العراقي، جهرا، او مواربة، والتهجم على الكويت بكل وضوح وصراحة، وهي الوسائل الاعلامية نفسها التي لم تتفق قط، وخلال تاريخها الطويل، على الكثير من القضايا التي تعلقت بصميم امن لبنان ووجوده، مما يعني ان عاملا ما تدخل في الموضوع وغير كل تلك القلوب وشحن كل تلك النفوس بحيث اصبحت الكويت واصبح الكويتيون الذين كانوا دائما وابدا الاقرب لعقول اللبنانيين، وقلوبهم وجيوبهم الاكثر بعدا واغترابا عنهم! وما كتبه الزميل نبيه البرجي (القبس 11 ابريل) عن كشوف الدولارات التي وجدت في السفارة العراقية في لبنان، ربما يفسر جزءا من المشكلة.

الارشيف

Back to Top