رأت القبس عدم نشر هذا المقال

رأت القبس عدم نشر هذا المقال
الأمور جميلة ... لكن المشوار طويل

أمر النائب العام، لشمال لبنان، بفتح تحقيق قضائي حول فيديو قام بتصويره أحد المدرسين، تضمن تلميذات في إحدى مدارس طرابلس، وهنً يجبن على سؤال: "هل يمكن أن تتصوري مع شجرة الميلاد؟"، أجبن بالرفض، كونه يمثل تشبهاً بالكفار"! انتشر الفيديو في كل لبنان، وأثار ضجة كبيرة، بالرغم من صدور الكلام من فتيات صغيرات، ولا يجب أن يعول عليه، حتى قولهن ب"أنهن مسلمات، ولا يشاركن في أعياد المشركين"، وارتفاع هتافات من حولهن مؤيدة مواقفن، وترديد: "مسلما كنت ومسلما أبقى".، كنت سيتم تجاوزها، لولا اندفاع "الشارع الطرابسي"، متجاوبا ومحرضا، في تظاهرات يشكل تهديدا وجوديا للآخر، الذي يشكل الغالبية، بكل تنوعه الديني والمذهبي، المصان دستوريا، ويتزايد الاشتعال على شبكات التواصل، وتوجيه الاتهامات للمدرس/ المصور، لتضمينه المقطع  تحريضا ضد أتباع بقية المعقدات، ولا غرابة، فهو معروف ك"داعية"، أكثر منه مدرسا، خاصة بعد أن دافع عن مضمون عمله، معتبرا إياه في إطار عملية تعليم الأطفال دينهم، وتحديد الآخر، "الكفار"، وأن الأمر جاء، حسب وجهة نظره، في سياق شرعي ديني، والكافر بنظره من يحق قتله.

من الواضح أن الأمر لا يتعلق بشجرة بلاستيكية، في مدينة (وبلد) تحمل على كاهلها جبالا من المشاكل والمآسي وقضايا الفساد، وكل احتمالات وقوع حرب داخلية وخارجية، في أية لحظة، وانهيار بنيته التحتية، والصحية والتعليمية، بخلاف إنهيار عملته وخراب مصارفه، وشح مياهه، وانقطاع كهربائه، لتستقر على قمة المدن المنهارة، فكيف يتجاهل أهلها كل هذه الهموم، والحرائق، والانحدار الأخلاقي المستمر، وينشغل بحرمة وقوف فتاة في الثامنة من العمر بجانب شركة بلاستيكية، ترمز للكريسماس؟ الأمر حتما أخطر من ذلك بكثير.

 أنتجت هوليوود عام 1988 فيلم "الإغراء الأخير للمسيح". تضمن إساءة لصورة السيد المسيح، فقامت مظاهرات عدة تحتج على مضمونه، لكنه فشل تجاريا تاليا، وتوقف عرضه. صرح حينها كبير اساقفة إنجلترا بأن المسيحية، التي يقدر عدد أتباعها أكثر من 2.3 مليار، أو قرابة ثلث سكان الأرض، لا تستحق أن تُتبع إن كان فيلم من الدرجة الثالثة يمكن أن يؤثر على المؤمنين بها. ما ينطبق على ذلك الفيلم ينطبق على الشجرة البلاستيكية، التي أبدى عدد من المتطرفين انزعاجهم واعتراضهم على وضعها في بهو بضعة فنادق، مبدين قلقهم على دين يتبعه 1.5 مليار مسلم ، استمر قويا لأكثر من 1400 سنة، هزم خلالها آلاف الأعداء والغزاة. 

عايشت شخصيا، منذ الستينيات، هذا الهلع، الأحمق، على دين عالمي، وكيف قام رئيس حزب ديني حينها بالطلب من عشرات مستأجري محلات الملابس في عماراته بإزالة رؤوس المانيكات، المصنوعة من البلاستيك، من نوافذ العرض. وتبعه أصحاب باقي المحلات وأصبح الأمر عرفا لسنوات طويلة، واختفت تماما، مع تغير طريقة عرض الملابس، عالميا.

كما كانت وزارة الإعلام تمنع العزف على البيانو في صالات الفنادق بدون ترخيص كتابي، يجدد شهريا، على أن ينتهي مفعوله مع نهاية نوفمبر ليصدر ترخيص جديد في شهر ديسمبر لفترة 23 يوما فقط، من منطلق "النحاسة"، بغرض منع الفنادق من "عزف البيانو" خلال فترتي الكريسماس ورأس السنةَ!! الغريب أن هذا القرار استمر العمل به لأكثر من نصف قرن، قبل أن يلغى مؤخرا فقط، والفضل يعود للنائب الأول، وزير الداخلية. 

الأمور تبدو جميلة، لكن "المشوار" طويل. 

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top