لماذا هاجروا إلى الكويت؟
لا أستطيع الجزم، كما هو الحال مع غالبية من هم في جيلي، بالسبب الذي دفع أجدادنا للقدوم لهذه الأرض، من مدن الجزيرة العربية وبلاد فارس وغيرها، ولا حتى تحديد السنة بدقة معقولة، مع الغالبية الساحقة، بخلاف التخمين، ويمكنني القول، في حالتي، بأنني كنت أكبر أبناء والدي، وكان هو أكبر أبناء والده، وكان جدي أيضا أكبر أبناء والده. ولدت عام 1945، ووالدي عام 1927، وكان جدي ابن أو حفيد المهاجر الأول، وهذا يعني أن بداية الأسرة في الكويت كانت في الفترة من 1860 إلى 1880.
كان جدي طلق اللسان، يتقن العربية قراءة وكتابة، وكان ووالدي يهويان قراءة الصحف المصرية، التي كانت تردهم في الأربعينيات، عن طريق البر، من العراق. كانت لهجتهم كويتية واضحة، مع اتقان والدي للفارسية، قراءة وكتابة، ربما لأنه كان من طلاب «الوطنية الجعفرية»، وهذا ما لم يحصل مع الجيل التالي لهما، فلم أعرف يوما موقع المدرسة المباركية. كما أن التحدث بالفارسية اختفى تماما مع جيل أبنائي وأبناء إخوتي وأخواتي، بعد أن جذبتهم هوية الوطن الجديد لحضنها، وهذا ما رأيناه مع أبناء مئات ملايين المهاجرين الذين اختاروا دولا أخرى وطنا لهم، وهي من طبائع الأمور. حتى أولئك الذين قدموا من دول عربية، كالعراق والبحرين وقطر والسعودية والبادية، هجروا لهجاتهم، مع الوقت، واكتسبوا لهجة الوطن الجديد.
* * *
بعد نشر مقالي عن سيرة المرحوم د.يحيى الحديدي، قبل بضعة أيام، وردني تعليق من صديق وسفير سابق مرموق، ذكر فيه أن الكويت كانت كريمة تجاه الأخوة الوافدين منذ بداية قدومهم! تضمن قوله شيئا بسيطا من التجني على فئة محددة! فنسبة كبيرة ممن أتوا للكويت حينها، كحرفيين، ومحترفين، كانوا إما مدرسين أو إداريين أو مهندسين، أو أطباء، جاءوا من مناطق تمتعت بمستوى اقتصادي وتعليمي رفيع مقارنة بالكويت، ومن مناطق يتوافر فيها الثلاثي اللطيف؛ «الخضرة والماء والوجه الحسن»، وهي أمور لم تعرفها الكويت في حينها، وعايشت شخصيا قسوتها وشظف عيشها، فكيف بمن تواجد على هذه الأرض قبلي بعشرين أو ثلاثين عاما، دع عنك بمئة عام أو أكثر، خاصة من أتوا لنا قبل قرابة مئة عام، ليشاركونا الحياة، بحلاوتها، ومرها، وما أكثر مرارتها، حينها، عاد البعض منهم لأوطانهم تاليا، واختارت القلة البقاء بيننا، ولتدفن في أرضها!! القصة طويلة وذات شجون، ويستحسن عدم الاستطراد أكثر في الحديث عنها.
* * *
يبقى السؤال: ما الذي دفع المجاميع الكبيرة التي هاجرت من الجزيرة العربية، ومن بر فارس والزبير والبصرة والمدن الأخرى، للقدوم للكويت قبل 150 أو 200 عام؟
لا شك أن المجاعات المتكررة كانت وراء جزء من ذلك الزحف باتجاه مدن الساحل، الأقرب للمصادر الغذائية، لكن تبقى نسبة كبيرة لا يعرف سبب اختيارها للكويت وطنا، في ذلك الوقت، بخلاف ما عرف عن الكويت من حكم عادل ومستقر، وشعب جاد، محب للمغامرة والسفر والتجارة، لما وراء البحار.
الموضوع شيق ويستحق النقاش ومعرفة آراء المؤرخين.
أحمد الصراف





