أسطول الصمود العالمي والشجب والاحتجاج السنوي
سبق أن عبرت عن سعادتي واقتناعي التام بالعمر الذي وصلت له، والذي كنت سأبلغه في كل الأحوال، وقناعتي أتت أساسا من شعوري بأن الحياة، في هذه السن، أصبحت معانيها أكثر وضوحا، وبالتالي أصبحت أكثر إمتاعا، فمن بقي معي، ومن بقيت معه، شريكا أو صديقا، كل هذه السنوات، هو من سيبقى معي أو أبقى معه إلى آخر العمر. كما اصبحت لقمتي أطيب، وشرابي أمتع، والرواية بيدي أكثر عمقا، ونومي أكثر راحة، وإدراكي أكثر نضجا!
* * *
كانت هناك لحظات تمنيت فيها لو كنت أصغر سنا، وآخرها قبل يومين، عندما قرأت عن «أسطول الصمود العالمي»، أو «أسطول الحرية»، الذي مثل أكبر محاولة إنسانية بحرية لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، المفروض عليها منذ عشرين عاما، والذي اصبح خانقا منذ عام 2023، حيث تملكتني رغبة قوية في أن أكون معهم، ليس فقط لنبل الهدف، الصعب التحقيق، وتنوع المشاركين فيه وحجم سفن الأسطول، بل وأيضا لتحدي القوة الغاشمة التي أصبحت تمثلها الصهيونية، عنوان الكراهية لدى الكثير من مثقفي العالم.
جاءت فكرة انطلاقة الأسطول استجابة للأزمة الإنسانية غير المسبوقة في غزة، حيث أغلقت إسرائيل جميع المعابر منذ مارس 2025 ومنعت دخول المواد الغذائية والأدوية، ما تسبب في مجاعة واسعة النطاق رغم تكدس شاحنات الإغاثة على الحدود.
انطلقت سفن أسطول الحرية من موانئ برشلونة، اسبانيا، وجنوة في إيطاليا، لتصل تاليا لميناء بنزرت بتونس، وليتزايد العدد ويتجاوز بكثير الخمسين سفينة، على متنها مئات الناشطين، من 50 جنسية مختلفة، من بينها الكويت، التي شارك عدد من مواطنيها في الحملة، التي تضم شخصيات برلمانية وفنية وسياسية وطبية عالمية بارزة، إضافة إلى متضامنين ومجتمع مدني من مختلف التوجهات والقارات، تاركين خلفهم أسرهم وأحبتهم، وأعمالهم، لتحقيق هدف إنساني شبه مستحيل، وهم على إدراك تام بخطورة مهمتهم، واحتمال أن البعض منهم، أو جميعهم، قد لا يعودون لأوطانهم، لعدم ثقتهم بأساليب الصهاينة القذرة، من جهة، وطرقهم الإجرامية، التي سبق أن اتبعتها في حالات فك حصار مماثلة، مع فارق أن الأسطول هذه المرة أكبر بكثير، وعدد المشاركين فيه سيتجاوز الخمسمئة بكثير.
تحمل سفن الأسطول إمدادات إنسانية مثل حليب الأطفال، والدقيق ومواد طبية وصحية، وأطراف صناعية للأطفال، مع طموح المشاركين فيه ليس فقط في كسر الحصار، بل وإنشاء ممر بحري دائم لإيصال الإغاثة إلى غزة والتأكيد على حق أهالي القطاع في حياة كريمة، ولفت انتباه المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية.
لقد سبق، على مدار الأعوام السابقة، أن اعترضت القوات الإسرائيلية معظم السفن المتجهة إلى غزة واعتقلت أو رحّلت الناشطين الذين كانوا عليها، رغم ذلك، واصل المشاركون رحلتهم وسط دعم شعبي وإعلامي عالمي واسع، لا تعرف أو لا تود أن تعرف غالبية دولنا، وكل شعوبها، شيئا عنه، وهذه السلبية تفسر، بطريقة غير مباشرة، مدى هوان حالنا وسوء أوضاعنا، وعدم رغبتنا في مواجهة أي اعتداء، بغير الشجب والاستنكار، المسبوق بشيء من الاحتجاج.
أحمد الصراف