مقال منع من النشر

عودة الوعي ...للكويتي
بقلم :أحمد الصراف
كنت سأجعل عنوان هذا المقال "الكويتي القبيح"، ولكن احتراما للزمالة والصداقة، التي لم يحترمها الطرف الآخر، غيرته لأعلاه.
وضع توفيق الحكيم العام 1974، كتاب "عودة الوعي"، وكان عبارة عن مجموعة مقالات سياسية سبق أن نشرها، تضمنت تحليلا لفترة حكم عبدالناصر، بعد إنقلاب يوليو 1952، قارن فيها بين حماس الناس الأولي للثورة ثم خيبة أملهم لاحقًا بسبب استبداد الحكم والتفرد به. اعتبر الحكيم أن "الثورة" انتهت بنكسة 1967.
**
كنت، وإياه، أخوة وأحبة لعقود عدة، جمعتنا أمور كثيرة، وقوتها الزمالة الصحفية، لكن مع 7 أكتوبر 2023، تغيرت العلاقة، ثم تطور الأمر لخصام واتهامات من الطرفين، وتشويه السمعة، والتبلي العنيف، ووصل الحسد به لدرجة بغيضة، خاصة بعد أن بيّن استطلاع لجهة إعلامية محايدة أن مقالي في القبس "قد" يكون الأكثر قراءة، فاتهمني والقبس بدفع المال لتلك الجهة لفبركة النتيجة! ولا أدري ما مصلحة القبس في دفع رشاوى وتلطيخ سمعتها، بعد كل تاريخها المشرف، لكي تبين مكانتي، علما بأن لا سني، بعد أن بلغت الثمانين، وأحوالي المادية المريحة، تغنيني عن كل ذلك، خاصة وأنني لا أتكسب مما أكتب (!).
كما اتهمني في أخلاقي وبأني أستأجر من يكتب مقالاتي وإنني، دخلت في صفقات مريبة مع وزارة الصحة، خلال وباء الكورونا، وإنني، و يا للسخافة والضحالة والجهل، أقبض عمولات من حركة حماس، التي لم أخفي يوما اختلافي معها.
سبب كل هذا العداء تعلق بالموقف من أحداث السابع من أكتوبر، فقد كان له موقف سلبي منها، وهذا يمكن تفهمه، لكن الخلاف تطور مع الوقت ليمثل، عبر عشرات المقالات واللقاءات، مع مختلف القنوات، لعداء سافر للحق الفلسطيني، واعجاب كامل بالإسرائيلي، وإن علي الفلسطينيين وعلينا، في الكويت بالذات، تطبيع علاقاتنا مع الكيان، وهذا لا يمكن تفهمه، كونه يتعارض مع سياسة الدولة!
كما زاد الخلاف استعارا تكرار دعوته للقبول بالتفوق الإسرائيلي الساحق علينا في كل ميدان، وبأن التطبيع سيجلب لنا "الخير العميم"، وستقودنا القاطرة الإسرائيلية، بكل علاقاتها وقوتها وعلومها وتكنولوجيتها، للرخاء، ولأن نصبح جزءا من "العالم المتقدم!!
وفجأة، وبعد 600 يوما من المواقف السلبية، والرفض التام لإدانة أي تصرف إسرائيلي، يقوم بنشر مقال يتحدث فيه عن الكيفية التي نجحت فيها إسرائيل، عبر قرن من الزمن، في خلق صورة نمطية وسردية ترسخت في وجدان الكثيرين تظهر مظلومية اليهود وتذّكر بالهولوكست وأنهم في إسرائيل جزيرة صغيرة تؤمن بالديموقراطية والحرية والمبادئ الإنسانية الحضارية وسط محيط عنف وحرب لا يؤمن بالسلام أو بالقيم المتقدمة!!
يبدو أن هذه هي الصورة التي كان يحملها ويؤمن بها عن إسرائيل. وبما أنه، كما يدعى، قارئ نهم ويعرف السياسة جيدأ، فكيف فاتته، قبل اليوم، رؤية وجه إسرائيل والصهيونية القبيح؟ وهو الذي، حسب ادعاءاته، سبق غيره في الكتابة، منذ الثمانينات، عن أمور كانت خافية على الكثيرين؟
لا أدري كيف استيقظ ضميره فجأة ليتحدث عن "تعدٍ اسرائيلي وحشي"، لم يكتب عنه على مدى 400 مقال، وخمسين مقابلة تلفزيونية، بل اكتفى بالتباكي على ما كانت عليه غزة من "رخاء وسلام وسعادة، قبل 7 أكتوبر!! وكيف خربت حماس كل شيء فيها، وإنها كانت، وبقية القيادات الفلسطينية، وراء فشل كل خطط السلام! ثم فجأة يكتب ليشتكي من ضحايا الصهيونية في فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران وقطر، ماحيا، بجرة قلم، الصورة الملائكية (للصهيونية)، التي طالما كانت مترسخة في ذهنه، ليكشف وجه إسرائيل القبيح، وكيف اصبحت فجأة، وبعد 40 عاما، المعتدية، لا المعتدى عليها، والظالمة وليس المظلومة، والفاقدة للأحاسيس الإنسانية والمعتمدة على الحرب والعنف والتطرف وحتى الإرهاب، فكيف يمكن تصديق أنه اكتشف كل هذه الآثام الصهيونية خلال اسبوع فقط؟
لا نريد الدخول في النوايا ولا في أسباب التغير الكامل في موقفه، من أخطر قضية، وهو الذي يدعي أن لا شارة ولا وارد في عالم السياسية تمر عليه، لكننا سنحسن الظن، ونرحب بعودته لحضيرة المنطق.

الارشيف

Back to Top