مأساة الـ 668 ملفاً

دخلت الكويت، في بداية الثمانينيات، في دوامة «سوق المناخ»، التي نتج عنها ارتفاع غير طبيعي في قيمة الكثير من الأسهم، حتى الورقية منها، وتعاظمت ثروات البعض وديون غيرهم إلى مستويات جنونية، قبل أن ينهار سوق الأسهم فوق رؤوس المتعاملين فيه، ليقوم القضاء بدوره في ترتيب الأمور، وفك الاشتباك بين الفرقاء، وبعد التصفية تبيّن أن هناك 12 ألف متعامل من أصحاب المديونيات، الذين يصعب عليهم سدادها، نقداً أو يرهن أو بيع ما تبقى من أصولهم. لكن مع الوقت، تمكن 10 آلاف من هؤلاء من الخروج من تعثرهم. كما صدرت أحكام بالصلح القضائي مع البعض الآخر، وفي النهاية بقي حوالي 668 شخصاً عاجزين عن سداد ما عليهم، بدرجة أو بأخرى، لتقوم الدولة بإنشاء جهاز يشرف على إدارة ممتلكاتهم، وتسوية أوضاعهم ضمن الشروط، التي وردت في القانون رقم 41/ 1993، ومنها فرض فوائد بنسبة غير مسبوقة بلغت 15%، تُضاف إلى مبلغ المديونية في حال تخلّف أي منهم عن سداد أيّ قسط، فزاد ذلك المفلسَ إفلاساً فوق إفلاسه، وساهم في ذلك ما أشيع عن سوء الإدارة الحكومية لأملاك هؤلاء المدينين، نتيجة تراكم الفوائد الفاحشة عليهم لأكثر من ثلاثة عقود. ولا يزالون، بعد 32 عاماً من القيود، يعانون من تبعات إفلاس لا يدَ لأغلبيتهم فيه.
بدا واضحاً، من البداية، أن من الاستحالة على هؤلاء سداد ما تراكم عليهم من ديون، خاصة بعد تراكم فوائد عليها؛ حيث تحول دين أحد هؤلاء من 7000 دينار، لم يكن قادراً على دفعها قبل 32 عاماً، إلى 132 ألف دينار، حالياً، وغير ذلك من أمثلة مرعبة!

من الضروري قيام الحكومة بإغلاق هذا الملف، الذي أرهق كل أطرافه بما يكفي، بعد أن بلغت الفوائد المتراكمة 16 ضعفاً من قيمة الدين الأصلي. وليس من المعقول ولا المقبول افتراض أن جميعهم أفلسوا بالاحتيال. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فهل يُعقل أن يُظلم ولو بريءٌ واحدٌ كل هذه المدة؟ خاصةً أن نسبة لا بأس بها منهم لم تزد مديونية الفرد منهم، قبل تراكم الفوائد عليها، على 20 ألف دينار، تم خلالها صرف أضعافها، من المال العام، على إدارتها. فكيف نحرم إنساناً من كل حقوقه المدنية لأكثر من ثلاثين عاماً بسبب هكذا مبلغ؟

إن استمرار بقاء هذا الوضع لكل هذه الفترة الطويلة، يُبين أن في الأمر ما يريب، وأن هناك جهة مستفيدة من بقاء الوضع كما هو، أو غالباً بسبب عجزهم عن فعل شيء، لأن القانون يغلّ أيديهم، وهم فقط يطبقون بنوده. وربما ينتظرون من سيأتي بعدهم، ليبقى إلى أن يحين أجل آخر مدين، ليقوم بإغلاق ملف هذه القضية المبكية والمضحكة، التي يمكن للحكومة، بجرة قلم حاسمة، حلها وإغلاق ملفها إلى الأبد، وهذا ما يجب السعي للقيام به، وليس الاستمرار، الذي «يشبه الانتقام» من هذه الفئة المنسية، التي نال أفرادها، صالحهم وطالحهم، أكثر مما يستحقون من عقاب وجزاء وحرمان ومعاناة وبهدلة، مع الملايين التي صرفت من المال العام على إدارة جهاز معالجة المديونيات، بغير طائل أو أمل في قيام هؤلاء المدينين بالخروج سالمين من سجنهم المعنوي الغريب!

ونتساءل معهم: كيف يخرج القاتل من السجن المؤبد، بعد 20 عاماً أو أقل، نتيجة حسن السيرة والسلوك، وشيء من العفو، ويبقى 668 من مديني المناخ في سجنهم المعنوي الخاص 32 عاماً؟

أما آن لهم الخروج منه رأفة بهم وبأسرهم، خاصة أن لا مصلحة حقيقية لأيّة جهة في بقاء وضعهم كما هو.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top