الصهاينة اليهود والتطهير العرقي

سأفترض حسن النية لدى أغلبية معارضي «حماس»، بسبب عدد القتلى الرهيب من الأطفال والأبرياء، بخلاف ما حل في القطاع من دمار شامل، ليس في المباني والطرقات والخدمات فقط، بل لما حل بالأرواح والأنفس والآمال من خراب عظيم. لكن هناك فئة باغية، وغالباً متعاونة، ومستفيدة مما يحدث، في الجانبين، تدفع الأمور لأن تتجه نحو ما تريده إسرائيل، تماماً، إما جهلاً أو غالباً لمصلحة مادية، وهذا ما سنبينه في مقال مقبل.

لا يوجد عاقل عايش وقرأ وعرف عن قرب طريقة التفكر الصهيوني، يرى أن من مصلحة الشعب الفلسطيني «الاستسلام التام»، وغير المشروط لعدوهم التاريخي، لما عرف عنه من دهاء، وقناعة تامة بأن بقاء فلسطيني واحد يعني استمرار حقه في أرضه، فكل مظاهر العنف والوحشية التي تمارسها القيادة الصهيونية، والقتل والتجويع والتشريد الممنهج، ما هي إلا شيء من تاريخهم، ورافقت الحركة الصهيونية منذ ما قبل قيام دولتهم، وما نتج عنها من نكبة، فمنذ بداية الصراع في هذه البقعة من العالم، وعلى وجه الخصوص منذ دخول الحركة الصهيونية على خطّ اقتطاع وطن قومي يهودي في المنطقة، والمحتل يفكّر في التطهير العرقي، فهو السبيل الوحيد لألا ينازعه أحد على الأرض مستقبلاً، ليتفرّغ لقضم غيرها!

يقول سلمان مصالحة، في مقال نشر على «شفاف»، إن هناك الكثير من الأمثلة، التي تبيّن نوايا إسرائيل في التخلّص من كل ما يحمل صفة أو اسم «فلسطين».

ففي وثيقة سرية، تحمل العنوان «نقل سكّان عرب»، في الأيام الأولى على قيام إسرائيل، نقرأ ما يلي: «نقترح نقل القبائل العربية في أماكن مختلفة بمناطق الحكم العسكري بالمرج والجليل الشرقي، بهدف إفراغ المناطق التي بحوزتهم والقريبة من مواقع استيطان يهودية وطرق رئيسية». وتذكر الوثيقة بالتفصيل قوائم السكّان المزمع نقلهم، وعدد النفوس في كلّ قرية وقبيلة، وتتطرق إلى سكّان صفورية ووجوب نقلهم فوراً، لأنهم آخذين بالتوالد العالي! ومثال آخر على التهجير الذي حصل في قرية الغابسية. ففي شهر نوفمبر 1951 أصدر الحاكم العسكري في الجليل أمراً بطرد سكّانها. كذلك رفض الجيش الإسرائيلي توصيات وزير الأقليات بيخور شطريت بإبقاء 11 عائلة عربية في المنطقة اليهودية في يافا، وطلب نقلهم إلى منطقة مُسيّجة، لأن بقاءهم في يافا يعد مخالفة لـ«قوانين الأمن» ويُثقل على الجيش مهامه.

لم تكن السلطات العسكرية وحدها هي التي طلبت نقل العرب من أماكنهم. إذ إنّ طلب الترانسفير لبقايا السكان العرب، الذي بقوا في القدس الغربية، قد جاء هذه المرّة من مصدر مدني، أي مدير الخدمات الاجتماعية في وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي.

على ضوء ذلك، فإنّ الخطاب، الذي يعلو هذه الأيام عن التطهير العرقي والترانسفير، ليس جديداً بالمرّة، إذ إنّه يرافق الحركة الصهيونية منذ ما قبل نشوئها على أرض فلسطين.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top