«براهما كوماريز».. والرسالة خالدة

كثيرا ما تغنينا بـ «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، ومن أجلها لقي الكثير من مؤدلجي الأمة وسذجها وأبريائها حتفهم من دون أن يتمكن أحدهم من معرفة حقيقة مضمون تلك الرسالة الخالدة، وكأن اليابان أو شعوب الاتحاد الاوروبي مثلا لا رسالة خالدة لديها، ولكن هذا موضوع مقال آخر.
***
للمرة الثانية خلال أقل من ثمانية أشهر أعطيت نفسي فرصة للانسحاب من صخب الحياة، بكل ما فيها من مقابلات واتصالات هاتفية ورسائل إنترنت وشيكات وايجارات وخلق أموال وصرفها وتوقيع الرسائل والعقود، حيث تركتها خلفي والتحقت وعائلتي بمجموعة جميلة من الشباب والصبايا والكهول من الجنسين ببرنامج براهما كوماريز brahma kumaris او الجامعة العالمية للروحانيات، الذي اقيم قبل ايام في اكسفورد - انكلترا، و«براهما كوماريز» هي مؤسسة غير نفعية وغير حكومية يقع مقرها في منطقة آبو ماونتن في ولاية راجستنان - الهند. وقد تأسست قبل سنوات عدة ولها 8500 مركز في اكثر من 100 دولة وجزيرة، وكمؤسسة تعليمية فإن عدد الملتحقين بها بصفة مستمرة يبلغ حاليا 850 الفا من مختلف الاعمار والمشارب من الباحثين في بلوغ اعلى درجات معرفة النفس والتحكم بها، ورفع مستوى مساهماتهم في المجتمع من خلال التعليم الروحاني وممارساته العملية في الحياة، كما تهدف المجموعة الى مساعدة الافراد في ان يكونوا اكثر انسانية وروحانية وسلاما مع البيئة والعائلة ومكان العمل.
المهم في عمل هذه المجموعة، التي تهدف اساسا الى نشر السلام العالمي من خلال ترسيخه في نفوس الافراد بتدريبهم عمليا أو روحانيا، على قبول فضائل المحبة والتسامح ومعرفة النفس والسيطرة على الغضب والبعد عن حب التملك او الرغبة في التحكم بمن نحب او نعمل مع من، والتخلص نهائيا من الخوف او من فناء الجسد، المهم في عملها النبيل ايمان القائمين عليها بأن ما يقومون بتقديمه من دروس لا يمكن تقديره بثمن، وبالتالي فهم لا يتقاضون شيئا مقابل عملهم ولا حتى مقابل خدمات الضيافة والطعام وعشرات التسهيلات المهمة الاخرى التي تقدمها، وتكتفي بقبول التبرعات غير المشروطة من الافراد والمؤسسات، اضافة الى ان جميع العاملين في مراكزها الـ 8500 لا يتقاضون شيئا مقابل عملهم مهما علت او تدنت اهميته.
الفكرة اكثر من رائعة، والعالم بأسره احوج ما يكون اليها، ولكن يصعب ترويجها في دولنا من دون صعوبات جمة، فنظرية المؤامرة لا تزال تلقى رواجا عظيما بين افراد المجتمع بحيث يصعب تسويق فكرة بكل هذا الزخم النفسي والعاطفي، وربما السياسي، والقول بعدها ان من يقف وراءها لا يبتغي مالا ولا جاها ولا سلطة، بل نشر المحبة والسلام.
واخيرا، فإن «براهما كوماريز» تأسست قبل 75 عاما تقريبا، اي قبل النكبة والنكسة والفشلة وقيام اسرائيل وظهور النفط وحروبنا الاهلية ومحاولات الوحدة الفاشلة وحركة الانقلابات العسكرية المتتالية، وبالتالي لا يمكن اتهامها بأنها جزء من المؤامرة علينا.

الارشيف

Back to Top