جرائم القرف.. لا الشرف

كانت المرأة طوال التاريخ البشري الطرف الأضعف في المعادلة الإنسانية، وذلك لعوامل فيزيولوجية معروفة. وبسبب هذا الضعف «العضلي» أساء الرجل للمرأة وسخرها لخدمته وإشباع شهواته واعتبرها من متع الحياة الدنيا، كأي قطعة جميلة، وحتى الفلسفات والإيمانيات القديمة لم تراع. ضعفها ومتطلباتها النفسية والجسدية، بسبب سيطرة الفكر الذكوري على تلك الأفكار. ولاستمرار سيطرة الرجل على المرأة وإخضاعها للعادي والشاذ من رغباته فقد ربط سعادتها، وأحيانا كثيرة، كامل وجودها، بالجانب الجنسي منها وأصبح للشرف معنى لديه يرتبط ببكارة المرأة وبإخلاصها لرجلها، قبل الزواج سواء كان أخا أو أبا، وبعد الزواج بهؤلاء جميعا إضافة للزوج وبقية ذكور العائلة. وبالتالي ربط الرجل شرف العائلة والقبيلة، وأحيانا الدولة، كما رأينا في أكثر من مثال عبر التاريخ، بالطريقة التي تتصرف بها المرأة وهذا جعلها تعيش في هاجس جنسي مستمر من فقد العذرية خارج مؤسسة الزواج، والتعرض لمختلف الإهانات والمخاطر التي تصل في حالات كثيرة الى القتل.
ولو قمنا باستعراض الدول التي تتعرض فيها النساء لمختلف أنواع القهر والاستغلال والضرب والتشويه الجسدي وحتى القتل لأتفه الأسباب لوجدنا أن القائمة تشمل دولا كثيرة، غالبيتها إسلامية. ففي كل يوم تقع جريمة قتل بسبب عدم طاعة المرأة لرجلها أو لأن الرجل، زوجا، أخا أو أبا، أو حتى خالا أو عما، شك في سيرتها وليس بغير القتل وقطع الرأس يمكن للشرف الرفيع أن يصان من الأذى! وسكوت مجتمعاتنا الواضح عن هذه الانتهاكات والجرائم، واعتبارها أمورا شخصية وقضايا عادية، لا يعني إلا قبولنا ومشاركتنا غير المباشرة بتلك الجرائم والمساهمة في زيادة حالات الاعتداءات غير المشروعة وغير الإنسانية على المرأة، ولا شك أن الكثيرات من النساء يتم اضطهادهن في عالمنا البائس هذا وينتظرن لحظة الاعتداء اللفظي عليهن أو ضربهن واستغلالهن من قريب باسم الشرع أو عادات المجتمع وتقاليده.
وقد سعت منظمات دولية عدة، من خارج عالمنا الأكثر شرفا، معنية أساسا بصحة الجنس البشري وسلامته للتقليل من جرائم الاعتداء على المرأة والفتيات الصغيرات بالذات في مجتمعاتنا، سعت لإصدار بيانات عالمية تندد بسوء المعاملة هذه وتطالب بوضع حد لما يسمى بجرائم الشرف، وذلك ضمن برنامج يسعى لرفع الظلم عن المرأة. فأي رجولة وشجاعة تلك التي لا تتحقق إلا بنحر طفلة لا تتعدى الثانية عشرة من العمر، وفي الوقت نفسه يتراكض مرتكب الجريمة هلعا من أعدائه الحقيقيين. وكيف تتحقق الرجولة بقتل زانية ويترك شريكها الرجل لأن قبيلته أو جماعته ترفض التخلي عنه، وتترك هي لمصيرها الأسود؟ وأي رجولة تلك التي ترضى بقتل المرهف من مشاعر المرأة وحاجاتها الجنسية بالإصرار على ختانها سعيا لحفظ شرف العائلة؟
ولماذا نسعد ونفتخر بشرفنا ولا نعطي انسانيتنا أي أهمية، هل لأن هؤلاء أقل قيمة من أن يكونوا بشرا حقيقيين؟.

الارشيف

Back to Top