ميّ..!
تلقيت دعوة من الشيخة ميّ الخليفة، لإلقاء محاضرة بعنوان «في العقيدة والصحافة»، في مركز «إبراهيم بن محمد الخليفة» في البحرين، وكنت أحسبها دعوة عادية لدولة عادية، لم أحرص في الماضي على زيارتها كثيراً، بالرغم من قربي منها مسافة وثقافة ومحبة، لكن الصورة، بعد وصولنا بأقل من ساعة، كانت خلاف ذلك تماماً، بعد أن اكتشفنا، خلال زيارة لم تستغرق أكثر من ثلاثة أيام، أن جهود سيدة واحدة، كانت كافية لتغيير الصورة النمطية والتقليدية، التي كانت في ذهني، ولدى زوجتي، عن البحرين لنكتشف كيف لإرادة مخلصة وموهوبة أن تقدّم وتنجز الكثير لوطنها، وغالباً من لا شيء تقريباً.
الشيخة ميّ محمد الخليفة هي بحق أميرة الثقافة وضمير التراث البحريني، فهي سيدة غير عادية، بتواضعها وهدوء صوتها، وعميق إخلاصها. خلال لقائنا بها وبفريقها الرائع: العزيزة عائشة مطر، والأستاذ حسن كمال، والمؤمن غسان الشهابي، وأزميرالدا قباني، غمرونا بفيض من المحبة الصادقة، وبينوا كيف أن بإمكان زيارة كنا نحسبها تقليدية، أن تغيّر أفكارنا ومفهومنا عن أمور كثيرة، وتصبح زيارة تاريخية وفنية وثقافية واجتماعية، مع شخصيات رائعة لقائمة أصدقائنا.
ميّ الخليفة ليست سيدة فريدة في محيطنا فقط، بل وفي محيط أوسع بكثير، فصيتها الجميل وصل إلى عشرات الدول والجهات المعنية بالتراث والثقافة والسياحة، من دون مبالغة، وجهودها، شبه المنفردة، من دون أن نبخس من يعملون معها، من متطوعين كبار، رجالاً ونساء، وموظفين مميزين، حقهم، نجحت في وضع البحرين، على خريطة وذاكرة الثقافة والتميّز في العالم، من خلال جهود استمرت قرابة ربع قرن، نجحت خلالها في وقف نزع هوية وطنها العتيق من ذاكرة الأجيال الحالية والقادمة، وحفظت لها الشيء الكثير من تراثها، الذي اندثر أغلبه، فالزحف الترابي المستمر على السواحل، ومشاريع ردم البحر، لتحويل البحرين إلى مركز مالي، كانت ضرورية، وكان ضرورياً أيضاً وجود من بقدرات وشغف الشيخة ميّ، لتوقف التغوّل في شخصية وطنها وتراثه وتاريخه الجميل. فلو لم تكن «دانة» البحرين الغالية، الشيخة مي، موجودة في زمنها، لكان من الضروري خلقها لتنقذ تراث وطنها من الضياع.. فشكراً لكل جهودها، وشكراً لما بذلته من وقت وجهد لإتمام ما بدأت به، والذي سيدفعني حتماً لزيارة البحرين ثانية وثالثة، والسكن في أحد فنادقها «البوتيك» الأثرية، التي جعلتها لمسات «الشيخة ميّ» تستحق تجشّم عناء السفر لها، فساعات الأيام الثلاثة لم تكفِ لملء عيني بجمال وروعة عشرات المشاريع والبيوت، التي قامت باستملاكها وترميمها بطريقة أخّاذة، لا تخطر على بال وتصور من سبق أن زار مئات المدن والمتاحف والبيوت الأثرية، لكنه لم يكن يتوقع كل تلك «الروعة البحرينية».
منجزات مي الخليفة مثلها، محترمة أنيقة، هادئة وذات مغزى ومعنى كبير.
أتمنى على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، محاولة التواصل مع الشيخة ميّ، فهناك الكثير الذي يمكن كسبه من خبراتها العريضة في مجالات عدة تتعلق بصميم عمل المجلس.
أحمد الصراف