مخاطر تعدد المهام

كتبت آنا بورخيس مقالاً في «النيويورك تايمز» أخيراً، غيَّر بعضاً من مفاهيمي القديمة عن «تميُّز البعض» بقدرتهم على القيام بمهام متعددة في وقت واحد. فالمرأة، بشكل عام أفضل للعمل سكرتيرة، مقارنة بالرجل، لقدرتها على القيام بطباعة رسالة، والرد على الهتاف، وأخذ ملاحظة عابرة من رئيسها، وكل ذلك في الوقت نفسه، وهذا ما يسمى بقدرة «تعدد المهام»، سواء في البيت أو المطبخ أو السيارة أو المصنع. تقول نيكول بايرز عالمة النفس العصبي في كالغاري، كندا، المتخصصة في علاج من يعانون من الإرهاق: «إننا نعلق في فخ تعدد المهام هذا، من دون إدراك، غالباً، وأسباب ذلك عديدة، فمعظمنا يتجنب الملل قدر الإمكان، ويعد تعدد المهام طريقة موثوقة لدرء الملل. كما أن هناك مغريات اجتماعية وأسرية وضغوطاً تحتم علينا التميُّز بالقدرة على القيام بمهام متعددة، كقراءة إعلان عن وظيفة تتطلب من يقوم بأداء مهام متعددة! وحيث إننا نقضي الكثير من الوقت على شاشات الكمبيوتر، الثابتة أو النقالة أو الهاتف، فإن هذا يجبر عقولنا على القيام بمهام متعددة، والحقيقة أننا لسنا بارعين على القيام بذلك، ولا يبدو أمراً رائعاً، بل متعباً للكثيرين منا، وبالتالي يجب إيجاد طرق يمكننا من خلالها أن نكون أكثر ذكاءً في نهجنا. فعلينا أولاً تعديل التسمية، فليس بالإمكان، علمياً، القيام بشيئين في وقت واحد، إلا إذا كان سهلاً جداً، كالمشي أثناء اللحاق بصديق!
تقول غلوريا مارك، أستاذة المعلوماتية في جامعة كاليفورنيا: عادة، عندما يعتقد الناس أنهم يقومون بمهام متعددة، فإنهم في الواقع يحولون انتباههم ذهاباً وإياباً بين مهمتين منفصلتين». فعندما ننخرط في مهمة طهو العشاء، مثلاً، ففي اللحظة التي تقرر فيها ما يجب عليك فعله، تتعاون مناطق مختلفة من دماغك، يشار إليها مجتمعة باسم «شبكة التحكم المعرفية»، لتحقيق ذلك. وتتضمن هذه الشبكة مناطق من دماغك، تشارك في الوظيفة التنفيذية، أو القدرة على تخطيط وتنفيذ السلوك الموجه نحو الهدف، من خلال إنشاء نموذج عقلي للوظيفة الحالية وما يتطلبه الأمر لإنجازه. وإن دماغك قد يفعل ذلك من خلال الاعتماد على المعلومات الخارجية والداخلية، مثل المكونات التي في ثلاجتك أو ذاكرتك للوصفة. وهذا يشبه الرسم على السبورة الذهنية، لكن إذا اتصل بك صديقك للحديث عن يومه، فسيتم مسح تلك السبورة البيضاء. ففي كل مرة تحول انتباهك إلى مهمة جديدة، يتعين على عقلك إعادة توجيه نفسه. فإذا كنت تعرف أن ما يتم طبخه سهل للغاية، والمحادثة التي قطعت الطبخ لطيفة وسهلة، فقد يكون التبديل بسيطاً، لكن كلما زاد الجهد الذي تتطلبه كل مهمة، كان على عقلك فرز المعلومات المتنافسة والأهداف المنفصلة.

للقيام بالمهام المتعددة ضرره، وهذا يعتمد على النشاط ومدى مهارتك في القيام به. لكن بشكل عام عندما ننتقل بين المهام، فإننا ندفع ما يسمى بـ«تكلفة التبديل»، كما يقول الدكتور فاغنر: «سنكون أبطأ وأقل دقة مما كنا سنكون عليه لو بقينا في مهمة واحدة»، كما أن السرعة والدقة ليستا المخاطرة الوحيدة، فتعدد المهام أكثر تطلباً من الناحية الإدراكية، حتى عندما نقوم بأشياء نجدها ممتعة أو سهلة. وأوضحت د. بايرز أنه عندما نقوم بمهام متعددة، يمكننا أن نضغط على ذاكرتنا العاملة، أو قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات والتعامل معها في أذهاننا. وقالت: «كلما زاد تحميلنا على هذا النظام، وحاولنا الاحتفاظ به في أدمغتنا في وقت واحد، زاد الإرهاق العقلي الذي يمكن أن يؤدي إليه. كما بينت دراسات أخرى أن تعدد المهام يمكن أن يجعل نبضات القلب تتسارع، ويرفع ضغط الدم، ويثير القلق، ويضعف مزاجنا، ويؤثر سلبًا في إدراكنا للعمل الذي نقوم به».

يقترح د. مارك أن تبدأ بمراقبة نفسك طوال اليوم، وملاحظة متى وكيف تقوم بتبديل المهام دون أن تدرك ذلك. ومن هنا، فإن النصيحة بسيطة لكنها صعبة: ستحتاج إلى التدرب على القيام بمهمة واحدة، أو القيام بشيء واحد في كل مرة، لإعادة تدريب تركيزك تدريجياً وبناء قدرتك على التحمل. فالقيام بمهام فردية قد يكون أسهل خلال الأوقات التي يكون فيها أداؤك العقلي أفضل، وأفضل الأوقات للغالبية للتعامل مع الأعمال الصعبة تبلغ ذروتها في منتصف الصباح ومنتصف بعد الظهر.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top