الشيشكلي والعرب

يعتبر حسني الزعيم أول من قام بانقلاب عسكري في تاريخ سوريا، وربما العرب، ففي مارس 1949 قام باعتقال الرئيس شكري القوتلي وعين نفسه مكانه. وتبعه في مسلسل الانقلابات أديب الشيشكلي، الذي أصبح رئيسا في ديسمبر 1949، وهذا فتح شهية عسكر بقية الدول العربية، حيث توالت انقلاباتهم في مصر والعراق وليبيا والجزائر والسودان وموريتانيا وتونس، وحتى لبنان والأردن والمغرب، وإن من دون نجاح يذكر. وتكررت الانقلابات بشكل غريب قبل ان يتعلم العسكر الدرس ويمسكوا بزمام الأمور، وليصبح الانقلاب عليهم صعبا، بعد أن تسلمت طوائفهم وأسرهم، بالتعاون مع الأجهزة السرية، الحكم، وهكذا انتهت مرحلة الانقلابات لتبدأ مرحلة دكتاتوريات الأسر! وفجأة غيرت انتفاضة تونس الشعبية الوضع لتتبعها مصر، ولتدخل ليبيا واليمن مرحلة الحرب الأهلية وتلحق بهما سوريا، وهذا دفع الناس للانتقال من بيوتهم إلى الشارع مطالبين بحريات أكبر وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين من الأبرياء ومحاكمة المفسدين، وإجراء إصلاحات سياسية، وحتى الآن تبدو كل هذه الحركات وكأنها انتفاضات شابة وغير دينية نجحت في كسر حاجز الخوف وأظهرت، ولأول مرة، استعداد الكثيرين للتضحية بأرواحهم من أجل الكرامة والعزة (!!) وبالرغم من أن الغالبية مؤيدة لهذه الانتفاضات، قولا على الأقل، إلا أن بعض «المثقفين» شعروا أن الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة، فهذه الانتفاضات ستصاحبها فوضى وعدم استقرار، قبل ان تستقر بشكل نهائي، ان استقرت أصلا! كما أن هناك احتمالا كبيرا في أن تنجح القوى الدينية، والإخوان بالذات، في تسلم الحكم في أكثر من دولة، وهذا أخاف المثقفين والليبراليين، إلا أننا، كما يبدو، بحاجة لأن «نجرب» حكم الإخوان، حيث يبدو أننا لم نتعلم من فشل تجربة الملالي في إيران، وبالتالي نحن بحاجة لفشل «عربي» لنثبت خواء فكر المسيسين دينيا، وميلهم المخيف نحو الدكتاتورية. كما من الضروري كشف أسطورة الدولة الدينية، فما يصدر عن أعضائها من ضجة، إضافة لتواضع لغتهم المحنطة التي تحاول ترويج سوء أفكارهم وخططهم، سرعان ما سيبين أن ما لديهم من حلول للمشاكل الاقتصادية والتربوية والسكنية ليست باحسن من غيرهم. كما أن عجزهم عن محاسبة زعمائهم ومرشديهم سيؤدي بهم في النهاية للدكتاتورية! إضافة إلى ان احتماءهم بمجموعة من النصوص العتيقة والهلامية الخاوية التي لا تصلح لقيادة دولة عصرية بكل تعقيداتها، سيعجل بنهايتهم إلى الأبد، وفوق كل ذلك ليس امامها غير الديموقراطية طريقا، مما يعني أن عليهم القبول بـ«الآخر المختلف»، إن كان قبطيا او كاثوليكيا، وأن لهم ما للأغبية من حقوق في الإدارة والحكم، فإن قبلوا بذلك فسينسف ذلك كل سابق ادعاءاتهم، وإن رفضوها فالنتيجة أكثر سوءا!

الارشيف

Back to Top