أأنا العاشق الوحيد؟ (3/3)

يبدو ان من السهل التشعب عند الكتابة عن لبنان، وهذا ما حدث معنا في المقالين السابقين، وحل أن نعود لموضوعنا الأصلي، ونقول إن تعدد الديانات والطوائف ضمن العائلة الواحدة، أو ابناء العمومة، فيها يعود لاسباب بعضها قديم واخرى أكثر حداثة. وقد يكون أفضل مثال هنا تاريخ الأمراء الشهابيين، الذين كان منهم الرئيس فؤاد شهاب، فهذه الأسرة الحاكمة تقلبت بين الدرزية والإسلام السني والمسيحية، قبل أن ينتهي بها الحال وتصبح كاثوليكية مارونية في أواخر عهد الأمير بشير الثاني، أهم حكام آل شهاب، وباني قصر بيت الدين في الشوف. ويقال ان سبب تحولهم هو وجودهم الدائم في بيئة متسامحة دينيا، وهذا ما يحذرنا منه رجال الدين المتزمتون. ويقال كذلك أن الأمير بشير وقع في غرام امرأة درزية اشترطت عليه، خوفا من أن يستخدم حقه الشرعي كمسلم ويتزوج عليها، ان يتحولا للمسيحية ليستحيل طلاقها، أو أن يتزوج بغيرها، وكان ذلك في ثلاثينات القرن السابع عشر، ومنها كرّت السبحة!
كما غيّرت الكثير من الأسر ديانتها أو مذهبها نتيجة خسارتها لمعارك في هذه المدينة أو تلك القرية، وكان يطلب منها في هذه الحالة إما الرحيل، وترك بيوتها ومزارعها، مصدر رزقها الوحيد، خلفها، وإما البقاء مع التحول لمذهب أو دين المنتصر، وغالبا ما كان يحدث التحول، دون تردد كبير.
كما كان الزواج المختلط أحد اكبر الاسباب، فيحدث أن يتزوج شخص من أسرة معروفة فتاة من غير دينه، ويتوفى عنها تاركا ابناءه لها، فتقوم هذه بتنشئتهم على مذهبها ودينها. وقد يحدث أن يقوم غير المسلم، والراغب في الاقتران بمسلمة إلى التحول لدينها لكي يتسنى له الزواج بها، وغالبية هؤلاء يعودون بعدها لدينهم، والبعض الآخر يبقى على دينه الجديد، المخالف لدين او طائفة بقية اخوته واخواته! كما يحدث أن يغضب خوري أو قس أو مطران طائفة مسيحية محددة ممن هو اعلى منه كنسيا، لرفض طلب حيوي له فيقوم بالتحول لمذهب آخر وينقل «رعيته» معه للدين الجديد. وبسبب تسامح المجتمع اللبناني ازاء مثل هذه التصرفات، وإن على مضض، فإن ذلك خلق مجتمعا متعدد الأعراق والمذاهب والطوائف، ولكنه متداخل أيضاً بصورة أو باخرى بعضه مع بعض. وقد تسنى لي خلال الأسابيع القليلة الماضية في لبنان حضور ثلاث حفلات زواج، اقترن في الأولى سني بيروتي بمارونية جبلية، وفي الثانية تزوج درزي جبلي بمارونية ساحلية، وفي الثالثة تزوج ارثوذكسي جبلي من شيعية جنوبية، وبقي كل منهم على دينه. وعاش لبنان حرا سيدا.

الارشيف

Back to Top