من الوثيقة.. لكرسي السلطة

من أخطر المفاهيم التي تربت عليها الشعوب المتدينة، والتي ترسخت، مع الوقت في وجدانها، أن أداء العبادات يمحو الذنوب. لذا، فإنها لا تشعر بتأنيب ضمير قوي عند ارتكاب الأخطاء الأخلاقية أو القانونية، لثقتها بالمغفرة! لذا، لا يتردد البعض في إيقاف مركباتهم أمام المساجد، للصلاة، في مخالفة واضحة لقواعد السير وآداب الطريق، من دون أن يشعروا بالمسؤولية، لأنهم ذاهبون لأداء واجب ديني، والله غفور رحيم.
***
من الظواهر البشرية الطبيعية، التي يعتبرها البعض غريبة، أنه كلما نجحت الأديان في الانتشار، من خلال الغزو والتبشير، تضاءلت في الوقت نفسه قدرة أتباعها على إقامة علاقات شخصية وسياسية متينة بينهم. ونرى عكس ذلك بين اتباع الديانات الأصغر عدداً، حيث نجد العلاقات بينهم أقوى وأمتن، نتيجة حاجتهم إلى التضامن.
 
ونرى من جانب آخر، كما ورد في كتاب «غرق الحضارات»، للمفكر الفرنسي، اللبناني الأصل، «أمين معلوف»، أن السكان الذين يكوّنون الأغلبية في بلد ما لا يزيد تسامحهم مع الأقليات، بل يتصرفون على النقيض من ذلك، وهذا ما تشكو منه الأقليات. وتبرر الأغلبية تصرفها بأنها على حق وعلى الآخرين اتباعها، أو الخضوع لرغباتها، مع أن من المنطق الافتراض أن الغلبة في العدد يجب أن تدفعهم إلى قبول الآخر، ومعاملته بنبل، ولكن الأمور لا تسير على هذا النحو. ويصبح الأمر مثيراً للقلق مع زيادة تدين المجتمع أو تخلفه، وهذا ما أصبحنا نرى بعض مظاهره في الكويت.

كما تشهد الدول ذات النظام التسلطي انزلاقاً نحو التطرف والعنف، وجموحاً في التعصب. لذا، نجد أن الأقليات فيها تتعرض إلى الاضطهاد والإذلال.

فما الذي يعزز لحمة المجتمعات البشرية؟ وما الذي يمنح أفراداً أو جماعات الرغبة في العيش المشترك وإرادة الانتماء إلى الجماعة نفسها والأمة عينها؟

نظام الحكم المستنير والعادل هو الذي بإمكانه تعزيز لحمة الشعب، إضافة إلى دوره في حفظ أمن المجتمع، وذلك من خلال إيجاد أرضية تعايش مشتركة بين جميع مكونات المجتمع، وهذه ليست مهمة أمنية، بل «فلسفة دولة».

فنحن في الكويت بحاجة إلى إيجاد هذه الأرضية المشتركة، وبحاجة لأن نحدد المشاكل التي نواجهها كدولة، ونعمل جميعاً على الانتصار عليها، وأن نقر بأن الدول جميعها قائمة على التعددية، وأغلبيتها تواجه صعوبات في إقامة صلات متينة بين مكوناتها. فالعدو الذي يواجه الأمة ليس فقط الجهل والتعصب ورغبة البعض في العودة بالمجتمع إلى الماضي، من خلال الادعاء بمحاربة الظواهر التي يعتبرونها سلبية، بل وأيضاً كم الرياء والزيف الكامنين في فكر من أيّد وثيقة الهم والغم! فهؤلاء يعلمون تمام العلم أن من الاستحالة التمسك ببنودها في عصرنا هذا، وبالتالي هدفهم لا يكمن في تطبيق بنودها، بل استغلالها للوصول إلى غايتهم المتمثلة في التحكم بالدولة. كما أن ما عُرف عن السيرة الشخصية لبعض من وقعوا على الوثيقة لا يجعلهم أصلاً من حملة راية الفضيلة.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top