الطبابة والجهل

أثار مقالي عن التشخيص الطبي الخطأ، والحاجة للرأي الثاني، اثار نوازع الاصلاح لدى المفكر والطبيب البشري الدكتور كامل النجار، فكتب يقول ان التشخيص الخطأ الذي تعرض له صديقي امر متوقع، فالطبيب في نهاية الأمر انسان، ولا يعمل كجهاز كمبيوتر مبرمج، وهو بالتالي معرض لارتكاب الخطأ في التشخيص، وهذا يحدث حتى في الدول المتقدمة طبياً كأميركا، وسبب ذلك ان جسم كل مريض قد يتعامل مع المرض بطريقة مختلفة عن غيره، فقد تبدو عليه أعراض غير التي تظهر عند آخر يعاني المرض نفسه، والأطباء يعتمدون على تجميع عدة أعراض لجعل تشخيص مرض معين أكثر احتمالاً، ومن ثم يقومون بطلب فحوصات معينة لاثبات حدسهم أو نفيه، وبما ان كل عارض له عدة أسباب، فمثلاً ضيق التنفس قد يكون سببه أزمة أو التهاب بالرئة أو هبوط بالقلب، أو ورم أو حساسية في الشعب الهوائية، أو ذبحة صدرية، وبالتالي يعتمد التشخيص الصحيح على خبرة الطبيب ومؤهلاته، ثم على نتائج الفحوصات التي يطلبها، ولذلك من حق المريض، كما ذكرت، طلب رأي آخر، ولكن الأهم من ذلك هو نوعية الأطباء الذين يعملون في مستشفيات الكويت وعمان والسعودية والإمارات، كمثال، حيث ان غالبية حكوماتها، من واقع خبرته حيث عمل في وزارات غالبيتها، تبحث عن العمالة الأرخص، فتستقدم أطباء من دول متواضعة الامكانات، وغالبيتهم من الحاصلين على دبلوم محلي من بلادهم لا يؤهلهم للعمل كاستشاريين، ولكنهم يصبحون استشاريين في الخليج، وبالتالي لا يكون أداؤهم بمستوى الاستشاري نفسه في البلاد المتقدمة، ويقول، وهنا لب المقال، إن حل هذه المشكلة سهل، فلتقليل أخطاء التشخيص يجب الزام جميع المستشفيات بالتقيد بالبروتوكولات المعروفة لكل مرض، وهذه ليست سراً وحكراً على بلاد الغرب، وانما منشورة على الانترنت، مثل «بروتوكولات نايس» الانكليزية nice guidelines التي يمكن لاي طبيب ان يطلع عليها، فاذا اجبرت الحكومات كل المستشفيات على اتباع هذه البروتوكولات، وحدث خطأ في التشخيص، فمن السهل جداً على ادارة المستشفى مراجعة ما قام به الطبيب لمعرفة ما اذا كان قد التزم بالبروتوكول في تشخيصه ام لا، واذا اتضح انه لم يلتزم يجب معاقبته على ذلك، فالمحاسبة تجعل الأطباء اكثر التزاماً بالمقاييس المعروفة، وتجعلهم كذلك اكثر استعدادا للقراءة ومتابعة ما يستجد في عالم الطب.
لا نضع هذا أمام وزير الصحة بالوكالة «فما بوه طب»، بل سنحتفظ بالاقتراع لوزير الصحة المقبل، ولعلم صديقنا المفكر د. كامل، فإن وزير الصحة السابق، د. هلال الساير، بدأ السير في هذا المشروع من خلال فكرة توأمة المستشفيات المحلية بالعالمية، واتباع بروتوكولاتها، وفق ما قيل لي، ولكن المحزن انه ليس هناك ضمان بأن وزير، أو وزراء الصحة القادمين، سيستمرون في اكمال المشروع، الذي يعارضه كثير من الأطباء الضعفاء، كما ان هناك خوفاً من ان يقبر المعازيب ما تم تطبيقه من هذا المشروع الحيوي حتى الآن، لان هناك من سيقنعهم بانه لا يستحق الحياة!

الارشيف

Back to Top