لا تكن عبداً!

تطلق كلمة «عبد»، في اللغة العربية، على أصحاب البشرة الداكنة، وهو عكس الحُر، وبالتالي وضعت له بعض المجتمعات قديماً، وبعض العقائد أحكاماً مفصلة، منها مثلاً من قتل منهم مسلماً حراً يقتل. ولكن دية قتل العبد تكون في دفع ثمنه لمالكه، وهكذا مع أمور كثيرة أخرى، ولكن الزمن تجاوز كل ذلك، وبقيت آثاره في بعض الصدور والعقول المتخلفة، وفي كتب التراث.
كما أصبح لدى الجميع تقريباً، شبه انطباع راسخ، وغالباً بسبب التراث والأعراف والتقاليد، التي يطالب الكثيرون بضرورة التمسك بها، أن اللون الأسود مرادف غالباً للأمور السيئة أو القاسية في نتائجها، من مصير أسود أو يوم أسود أو مستقبل أسود، والشعور بالخوف أو الشؤم حتى من رؤية كلب أسود أو قطة سوداء. وربما تكون اللغة العربية الأكثر ربطاً للون الأسود بأمور غير سارة، علما بأن الرقيق لم يرتبط تاريخياً في المنطقة بالضرورة بلون أو جنس معين، مع أن الغالبية كانوا أفارقة. فصهيب كان مملوكاً رومياً أبيض البشرة، وكان هناك غيره من الأرقاء البيض الذين اشتهروا في أكثر من مجال، وخاصة خلال الخلافة العثمانية، السيئة الذكر، التي يتوق البعض لاسترجاعها. كما كان الكثير من الأرقاء في المنطقة، وخاصة من الإناث، من أسر أوروبية.. ومسلمة.
***
موضوع مقالنا لا يتعلق بالعلوم البشرية، بل بموضوع مختلف تماماً. فنحن، كبشر، ولأي مجتمع أو دين أو ثقافة ننتمي، عبيد لعاداتنا السيئة، وحتى الجيدة منها، كالقراءة مثلاً.

وقد حاولت جاهداً منذ سنوات، ومن خلال تجارب صعبة الانعتاق من العبودية لأية عادة أو طريقة عيش، وعدم السماح لها بالسيطرة على حياتي. فلدى البعض صعوبات بالنوم في غرفة غير معتمة بما يكفي أو العكس، أو ليست باردة أو غير دافئة، أو عندما تتغير الوسادة، أو فراشهم، أو بسبب الضوضاء، وغير ذلك.

كما يجد البعض صعوبة كبيرة في بدء يومهم من غير فنجان القهوة أو تدخين سيجارة، إلى آخر ذلك من عادات جعلت الكثيرين عبيداً لها.
***
كانت البداية يوم وجدت نفسي في مدينة غريبة عني لغوياً، ومن غير رفيقي في السفر، الكتاب! فقد كنت عبداً لعادة جميلة وهي القراءة قبل النوم، وكانت ليلة صعبة تقلبت فيها في الفراش كثيراً قبل أن تخلد عيناي وجسدي الطاهر للنوم. ومنذ يومها قررت أن أدرب نفسي على أن أغفو من غير قراءة كتاب أو غيره.

كما لجأت للصوم المتقطع للتغلب على عادات قهوة الصباح، وعدم ترك البيت بغير إفطار، وحتى ترك شرب القهوة والشاي في المكتب لأيام دون كبير معاناة. كما توقفت تماماً منذ سنوات عن مشاهدة التلفزيون أو سماع الإذاعة الرسميين. وأخبرني صديق أن الاستماع لهما في هذه الأيام يجعلك تشعر وكأنك في دولة الخلافة السابعة!
***
الحديث عن هذه الأمور سهل، ولكن التطبيق صعب easier said than done، ولا شيء مستحيل.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top