طلبات ليث ورغبات شفيق

موقف بعض العرب من الكويت يشبه موقفهم من أميركا. يشتمونها عصراً، ويدبجون مقالات الهجوم عليها ليلاً، وفي صباح اليوم التالي يقفون في طابور السفارة طالبين فيزا دخولها!
***
كتب «ليث شبيلات»، وهو معارض أردني متشدد دينياً ومن مناصري صدام، مقالاً وجّهه للخليجيين، واصفاً إياهم بقاطعي الأرحام، الذين لا يحتمل بعضهم بعضاً، والذين يبقون الانسان عندهم دهراً، وينكرون عليه الإقامة الدائمة.

وقارن شبيلات وضعنا بوضع كندا، وكيف أنها تمنح جنسيتها للمهاجرين إليها، وآخرهم ثمانون شخصاً من ثلاثين دولة!
***
المقارنة بين الدول الخليجية وكندا ظالمة وسخيفة، فالأمور يجب أن توضع في إطارها الصحيح.

فكندا تختلف عن الدول العربية، والخليجية بالذات، بثقافتها وجامعاتها وتسامحها الديني وإيمانها بحقوق الإنسان، وثرائها الواسع، وعضويتها في نادي الدول الأغنى والأعظم، وبالتالي لا الكويت ولا مثيلاتها محل مقارنة بها. فحصة الكندي من أرضه مثلاً تبلغ 400 م، بينما الحصة في الكويت لا تتجاوز الأمتار الأربعة بكثير، هذا بخلاف الفارق الاقتصادي بين الدولتين. كما أن كندا لا تعطي جنسيتها لسواد عيون هؤلاء الثمانين، وليس بينهم حتماً خليجيون، ولا ملايين المهاجرين غيرهم، بل تفعل ذلك لأنها بحاجة إليهم. وافتخار شبيلات باحتضان كندا لمواطنيه أو غيرهم مثير للشفقة، فهذا ليس أمراً يدعو للفخر بل دليل عجز دول هؤلاء المهاجرين عن استيعابهم فكيف تطلب من دول «قاطعي الأرحام» استيعابهم؟

ولو فتحت الكويت أبوابها لليث وأسرته وأقربائه وأعطتهم جنسيتها أو الإقامة الدائمة، فهي مجبرة لإعطاء المزايا نفسها لمئات آلاف «الأشقاء العرب» الآخرين، وإن حدث ذلك وتبين بعدها أن لا مساحة الدولة ولا إمكاناتها المادية قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد، فسيكون ليث وأسرته الأوائل وأصحاب أعلى الأصوات في المطالبة بوقف هجرة «الأشقاء» أو إقامتهم الدائمة بيننا!
***
أما الآخر، شفيق أفندي إمام، فقد عاش بيننا قرابة نصف قرن وأفاد بخبرته، واستفاد مقابلها مادياً وبسخاء، وعاد لوطنه، دون أن يدفع فلساً واحداً ضريبة على دخله. قام شفيق، فور استقراره في مصر، بإرسال تغريدات وتدبيج مقالات تفوح منها رائحة الفتنة، سارداً سبعة مآزق تواجهها الكويت في حال قامت بفرض رسوم على من بلغوا الستين، وشارحاً كيف أن الضمان الصحي في الشيخوخة «واجب» على حكومة الكويت للمقيمين كافة و«حق دستوري»، فهم أسهموا في الضمان في صباهم(!!).

وهدد بأن قضية هؤلاء ستصبح مثار جدل في المجتمع الدولي، والمنظمات العالمية والإقليمية(!!) ولا أدري أين موقف هذه المنظمات من عشرات الدول، ومنها مصر، التي لا تعامل الأجنبي، وحتى العربي، معاملة المواطن نفسها، بل بطريقة مختلفة، وهذا حق سيادي لكل دولة لا تنازع عليه.

كما أن مطالبته وغيره بمنح المقيمين إقامات دائمة مسألة مقلقة وحساسة، وضحيتها سيكون المقيم نفسه إن تم التوسع فيها. فليس هناك دولة في العالم ملزمة، لا دستورياً ولا إنسانياً ولا أخلاقياً، بإعطاء إقامة دائمة أو جنسية الدولة لمن عمل فيها، إن كانت تلك الدولة لا ترغب في ذلك، أو لا تسمح قوانينها به بسبب محدودية مواردها أو أي سبب آخر.

وبالتالي عليه أن يعفينا هو وغيره من هذا الهذر، فقد فتحت الكويت أبوابها للشقيق والغريب قبل أن يولد هو أو شبيلات، ولم يجدوا في هذا الوطن الكريم إلا كل مودة ومحبة، وعاد غالبية هؤلاء لأوطانهم، أو بقوا في الكويت، وللدولة الحق في أن تمنح من تشاء جنسيتها أو الإقامة الدائمة، لمن تختار، وهذا ما نميل إليه، ولكن ليس من حق أحد تهديدنا بغضب العالم إن فرضنا رسوماً على فئة واستثنينا غيرها!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top