مأساتنا مع الطب النفسي

يبدو أن ليس هناك أسهل من ادعاء الإصابة بمرض نفسي وتلقي العلاج اللازم له.. في الكويت.
فادعاء الإصابة بالاكتئاب أو عدم النوم مثلاً، أمر يصعب على الكثير من الأطباء، وفي الحكومة بالذات (!!) كشفه بسهولة، خاصة إن كان مدعي المرض يعرف أحداً مهماً، ويكون عديم الاكتراث بمسألة وجود «ملف» باسمه في مستشفى للأمراض النفسية، لعلمه بأن مثل هذا الادعاء سيتيح له الحصول على مسكنات وأدوية نادرة وغالية الثمن لا يمكن الحصول عليها بسهولة من الصيدليات، كما يمكنه الإثراء من بيعها للمدمنين عليها كمهدئات أو مسكنات، أو إرسالها لبلده.

كما أن وجود ملف في مستشفى الأعصاب يتيح لصاحبه ساعات عمل أقل، وعذر أكبر للتغيب عن العمل. وإن تورط مستقبلاً بأية مخالفة أو حتى جريمة قتل فإن «ملفه الطبي»، والمهدئات التي يتناولها جاهزة لأن تشفع له، وتساعد في تخفيف أمد ونوعية أية عقوبات يحكم بها عليه، فملفه وتاريخه الطبي سيقللان من مسؤوليته عن الأفعال التي صدرت منه.

ولهذا نجد أن نسبة المسجلين كمرضى نفسيين في مستشفيات الأعصاب والأمراض النفسية في الكويت ربما تكون الأعلى في العالم، ليس لأننا تعرضنا لأحداث زلزلت عقولنا، وأثرت على نفسياتنا، بل لوجود نسبة لا بأس بها من «أصحاب الملفات» في هذه المستشفيات ليسوا بمرضى حقيقيين، ولهم في ادعاء المرض مآرب أخرى! وهناك أمثلة تم فيها استغلال وجود ملف لبعض من اقترفوا أفعالاً خطيرة، وادعوا بعدها أنهم ارتكبوها، وبينها جرائم قتل معروفة، من دون وعي، وليطلق سراحه، بطريقة أو أخرى، بعد فترة سجن قصيرة نسبياً، وليذهب البعض منهم بحرّ إرادته للصحف لإجراء مقابلات يبث فيها شكواه من ظلم المجتمع له، وكان من المفترض حجر حرية هؤلاء مؤسسياً، لحماية المجتمع منهم، بدلاً من حبس المغردين وأصحاب الرأي، احتياطياً، قبل محاكمتهم!

لا نحاول بهذا الكلام التخلي عن إنسانيتنا، فقد يكون «بعض» هؤلاء مرضى نفسيين حقيقيين، وغير مسؤولين عن أفعالهم، ولكن كيف يمكن قبول وجودهم بيننا، وهم بهذه الحالة؟

وبالتالي من الضروري جداً تشكيل لجنة، من خارج وزارة الصحة، لمراجعة ملفات الطب النفسي، وإلغاء الفاسد منها.

وإلى أن يحدث ذلك، إن حدث، علينا الصبر على بلاوينا.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top