هذا ما قاله المحامي زيد عمر

الخطيئة الكبرى، والهفوة القاتلة التي تورطنا بها منذ عقود هي إيراد عبارة «الإسلام دين الدولة» في المادة الثانية من الدستور الأردني، التي لا مفر من تعديلها، كأول خطوة نحو تجذير مدنية الدولة العادلة التي نريد، فالمادة تتناقض مع البند الأول من المادة السادسة من الدستور التي تنص على أن «الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين»!
فعندما تنص الدولة في دستورها على أن دينا مُعَيَّنا هو دينها، فإنها لا تختلف من ناحية انعدام المعنى عن أن تُعلن الدولة مثلاً أن جنس الدولة هو آري أبيض البشرة، أو أن فاكهة الدولة هي التفاحة، أو أن تقول أن شَعر الدولة هو الشَعر البُني المجعد، وفريقها هو ليفربول!

نذكر الناس أن الدولة ليست إنساناً حياً لها دين وأكلة مفضلة عن غيرها وحيوان أليف، بل هي أجهزة ومؤسسات وظيفتها أن تكون حكماً عادلاً لحماية حقوق المواطن بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو معتقداته.

هذه المادة من الدستور كان الأولى أن تنص على أن هوية الدولة الأردنية هي هوية عربية ذات تاريخ وثقافة وتراث إسلامي نعتز ونفتخر به مع سائر مكونات هذا التراث من الأديان والطوائف الأخرى، لا أن نقول إن الدولة تعتنق ديناً معيناً! فالدولة الحديثة العادلة لا يجوز لها أن تنحاز إلى أي من الأديان دون سواها حتى ولو كان ذلك دين الغالبية، بنفس معيار أن هذه الدولة لا يجوز لها أن تنحاز إلى أحد الأجناس أو الأعراق دون غيره، حتى ولو غلب ذلك الجنس أو العرق على غيره، وإلا أصبحت دولة عنصرية تُميِّز بين مواطنيها على أسس لا علاقة لها بالهوية الجامعة لحاملي جنسيتها.

تخيلوا لو أننا لم نتورط بهذه المادة منذ الخمسينيات؟

تخيلوا كيف كان حالنا سيكون لو لم يكن بمقدور «تيار سياسي معيَّن» أن يتصدى لك في كل مرة يُلائم مُنتسبيه أن يتذكروا قدسية الدستور لِيَرموا في وجهك عبارة: الدستور واضح ويقول إن دين الدولة هو الإسلام!

تقول لهم اخفضوا أصوات مكبرات الصوت لاحترام راحة الناس وأطفالهم ومرضاهم، فيقولون لك «الإسلام دين الدولة»!

تقول لهم لا يجوز إغلاق الشوارع بحجة الصلاة في المسجد، فيقولون لك «الإسلام دين الدولة».

تقول لهم لا يجوز تعليم الأطفال أحاديث مزعومة تُحرِّض على قتال البشرية جمعاء، فيقولون لك «الإسلام دين الدولة».

تقول لهم لا تجوز المطالبة بمنع الموسيقى والفنون، فيقولون لك «الإسلام دين الدولة».

تقول لهم لا تجوز محاربة الاختلاط والمطالبة بفرض الحجاب، فيقولون لك «الإسلام دين الدولة»!

هذه المادة في دستورنا هي التي سمحت بهذا التَنَمُّر الفاضح على الغير باسم الدين، وما ينبغي أن يدركه الناس هو أن أصل دور الدولة في فقه القانون الدستوري هو أن تكون هذه الدولة حَكَماً عادلاً على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، لا أن تكون خَصماً يتبنى صفة محددة من صفات مجموعة من الشعب دون غيرها، وإن باتت هذه المجموعة غالبة الكثرة، لأن ذلك الانحياز بالضرورة ينسف مفهوم المساواة بين المواطنين، بل يفتك به فتكاً.

تخيلوا معي حَكَماً لِكُرة القدم، يُفتَرَض به النزاهة والحياد، يُعلِن بصراحة في سرد قواعد اللعبة للفريقين بداية المباراة بأنه ينتمي رسمياً لفريق ينبغي عليه الفصل في أفعاله وتصرفاته بتَجَرُّد، بل ويلبس قميصاً بلون ذلك الفريق وينحاز إليه!

هذه المادة اللامنطقية في الدستور الأردني، التي غَفِلَ عنها المؤسسون وقت صياغته بحسن نية، لم يكن يخطر ببال واضعيها بأنها ستجلب لنا مُعضِلة لا يمكن المبالغة في تصور آثارها السلبية على تركيبة الدولة وعلى عقلية فئة كبيرة من مواطنيها، فقد أصبحت هذه المادة اليوم سيفاً مُسَلَّطاً على المطالبين بالدولة المدنية الحديثة من قِبَل أولئك الذين يريدون أن يستقووا بهذه العبارة الفضفاضة على نظرائهم من الأردنيين الذين لا يعتقدون بنفس معتقداتهم.

المطالبة بالدولة المدنية تعني المطالبة بأن تنأى الدولة عن الانتساب لأي دينٍ مهما كان، فالمواطن الأردني، مع الاحترام لجميع الأديان والمعتقدات، يجب أن تَنبُع حقوقه المدنية في المواطنة من القوانين الوضعية التي يتفق عليها الشعب، ومن مدى التزام المواطن بها ومن مقدار أدائه لواجباته تجاه هذه الدولة، وليس من انتمائه لأي مِلَّةٍ كانت.

هذا ما كتبه زيد عمر النابلسي، فمن يتفق معه؟

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw


الارشيف

Back to Top