عظمتها والدول العظمى

يتكون نادي «الدول العظمى» من خمسة أعضاء، أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين. وهي التي تمتلك نفوذاً سياسياً وجغرافياً على غيرها، أو إرثاً استعمارياً وثقافياً، إضافة لقوة اقتصادية وترسانة نووية.
وهناك دول تقاربها في العظمة والأهمية، مثل الهند وألمانيا واليابان، ولكنها تفتقد لشرط أو أكثر من شروط العظمة أعلاه.
***
الرئيس ماكرون، هو رئيس قوة عظمى، والرئيس الوحيد في التاريخ الذي قرر منح مواطنة من دولة أخرى وثقافة مختلفة وسام دولته الرفيع، ولأجل ذلك سافر، في ظروف صحية وأمنية شديدة التعقيد لموطنها، لبنان، ولبيتها ليسلم فخر لبنان وايقونتها، السيدة فيروز، الوسام الفرنسي الرفيع شخصياً، متجنباً كل الرسميات والبروتوكولات، ومتجاهلاً كل أركان الدولة، وهذا ما لم يحدث في التاريخ، وربما لن يحدث ثانية.
***
لبنان من الدول الفاشلة تماماً التي لا يتوقع لها أن تنهض من الحضيض قريباً، ولكنه وشعبه يعنيان الكثير لمن عرف حقيقة ذلك البلد وطبيعة شعبه، كما كان الأمر مع الرئيس ماكرون، الذي كسر كل الأعراف والبروتوكولات مخاطراً بنفسه لإيمانه بتفرد لبنان!

وهذا يدفعنا للتساؤل عن «سر السحر اللبناني»؟
***
لبنان جدير بالإعجاب إن لجماله وثقافته أو لإرادة شعبه وقدرته على الإبداع. فقد نجح اللبناني في مجالات لم تكن أصلاً تشكل شيئاً من تاريخه. فلبنان كان لقرون بلد مزارعين وصيادي سمك. كما كانت أشجار التوت التي تعيش عليها دودة القز حتى الحرب الأولى تغطي غالبية مناطقه، لتنتج الحرير وتصدره لمدينة ليون الفرنسية. وكان القطن منتجاً جنوبياً معروفاً، ولكن العثمانيين قضوا عليه. وبالتالي هو ليس بلد رجال أعمال، وبالرغم من ذلك نجد أن أكثر رجال الأعمال نجاحاً في المنطقة هم لبنانيون، وهكذا في الصناعة وغيرها الكثير. وأينما ذهبت في العالم وجدت لبنانياً يعمل، بطريقة مشروعة أو عكسها، وغالباً في وضع مالي مميز!
***
لبنان ضرورة للمنطقة، فهو وسوريا، التي تم تخريبها أيضاً، يعتبران آخر بلدان الشرق الشديدة التنوع في كل شيء، لغةً وأعراقاً وثقافات ومذاهب وديانات، وبالتالي يحاول البعض، غالبيتهم ليسوا لبنانيين، ألا يختفي هذا البلد، وأن يبقى التعايش بين سكانه السنة والموارنة والشيعة والعلويين، والأرمن (بقسميهم) والاسماعيليين والأقباط والارثوذوكس (بقسميهم) والسريان والكلدان والانجيليين، والكاثوليك والآشوريين واللاتين، واليهود، والدروز، هذا غير الاكراد والشيشان، وغيرهم.. لأن لا خيار لكل هؤلاء غير التعايش بسلام.
***
ولكن اليوم كل شيء في لبنان يتآكل. فطوابير السيارات الفارغة من الوقود، بجيوب أصحابها الفارغة من الدولارات، تتكدس أمام محطات الوقود الفارغة من البنزين، هذا غير عشرات آلاف المرضى الذين ينتظرون العلاج، والكثير منهم، كمرضى الكلى، مهددون بالموت، والأطباء منهكون، المستشفيات تفتقد كل شيء، والقمامة في كل مكان، وساعات انقطاع الكهرباء بازدياد والمشاكل في كل زنقة وزقاق!

نكتب ويكتب غيرنا ونشعر بالأسى، ويشعرون معنا، ولكن لا يبدو أن البقية تكترث، ليس لانعدام مشاعرها، بل لأنها تعبت، كما ستتعب فرنسا وسيتعب الخليج، والكويت بالذات، فطالما بقي سياسيو لبنان على عنادهم، فلا شيء يمكن أن ينقذ هذا البلد من دمار محقق!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top