أوهام «فائق» ومجاملة «عمار»!

نشرتُ في سبتمبر الماضي مقالا للرد على «فايق الشيخ علي»، النائب العراقي، من أن القصيم وبريدة وعنيزة والكويت والرياض ونجد(!!) والأحساء والقطيف وحتى قطر كانت تابعة للبصرة قبل 140 عاماً! وكان من المفترض تجاهل ذلك الهراء، بعد أن تبين أن المتحدث لا يعرف حتى الفرق بين الرياض وبريدة ونجد، وأنه متشرب، كالكثير من العراقيين، بالتعصب والتعلّق بأوهام لا أساس لها.

ولكن التاريخ تطلّب عدم السكوت. وبالأمس عاد «فائق الشيخ علي» بمغالطات جديدة مع المقدم «عمار تقي» في برنامج الصندوق الأسود»، خاصة عندما ألقى مسؤولية قيام الحرب العراقية الإيرانية على الدول الخليجية، والكويت والسعودية بالذات، وكيف أن ذنب ثكلى وأرامل وأيتام العراق في رقبة الكويت، لأنها والدول الخليجية التي طلبت من العراق أن يحميها من الخميني، وأن يحارب إيران نيابة عنها. وكان حريا بها، حسب ادعائه، أن تقوم هي بمحاربة إيران، ويكون دور العراق، الأكثر ثراء، تمويل تلك الحرب، وهذا يعني أن صدام لم يكن مهتما بشن الحرب على إيران لولا رغبة الأخيرة في «التهام» الدول الخليجية، وهذا تزييف خطير للتاريخ!
****
لا أدري لماذا يصر سياسي مثل فائق على تجاهل الحقائق. فلا أحد بإمكانه إنكار ما قدمته الكويت للعراق من تسهيلات لوجستية وقروض، لم تسترد أبدا، وهبات مالية ضخمة. وتم ذلك بالتلميح والتهديد الصريح، والضغط الداخلي والخارجي، ومن منطلق عروبي أو قومي أو سمه ما تشاء. ولا أعتقد أن الكثيرين كانوا يشعرون بالحزن، خاصة في أيام الحرب الأولى التي استمرت ثماني سنوات، على تورط «الدولتين» في حرب طاحنة.

فلا العراق ولا إيران، ما قبل وما بعد الثورة، كانا ينظران بعين العطف واللطف للدول الخليجية، وهذا ما بيَّنه «فائق النائم» في حديثه لعمار بشكل فج في سخرية من «آكلي الضب»! متجاهلا حقيقة أن الحرب كانت ستنشب بين العراق وإيران لا محالة، ولأسباب تتعلق بكيميائية العلاقة بين زعيمي البلدين. فكلاهما كانا لا يثقان بنوايا بعضهما ببعض. كما كان الخميني يحمل الكثير من الحقد في قلبه على صدام الذي أهانه وطرده من العراق. وكان صدام يشك في نوايا الخميني، خاصة بعد تصاعد وتيرة التفجيرات في العراق، فكان عليه ضرب إيران، وهي في أضعف حالاتها، واحتلالها، حسب خطة المهيب «رومل العراق».

لقد كانت الهوسات والاحتفالات بشن صدام الحرب على «المجوس الكفرة» في بداية حرب السنوات الثماني تملأ العراق برمته، وكانت كل فئات الشعب العراقي تقريبا تؤازره، خاصة مع الانتصارات السريعة التي حققها جيشه في الأيام الأولى. ثم توقف التقدم، وبدأت المقاومة الإيرانية تقوى وتتابعت الانسحابات العراقية، وسقط عشرات آلاف لا بل ملايين القتلى والجرحى من الطرفين، وتدمير مدن بعضهم البعض، وبدا جليا ان العراق لا يمكنه الاستمرار في الحرب، ووقف التقدم الإيراني من دون الدعم اللوجستي الغربي والمال الخليجي، وكانت هذه الأخيرة تعرف أنها ملعونة إن دفعت وملعونة إن لم تدفع، فاختارت أهون الشرين.

اختصارا، الكويت بالذات، لم تكن وراء نشوب الحرب بين البلدين ولا من أججها، بل كانت الخاسر الثالث فيها. كما لم تكن طرفا في حرب الأنفال وتهجير سكان الأهوار، وقتل أهل الأنبار، وهذا ما يجب أن يعرفه فائق وأمثاله من المخدوعين. ملاحظة: بعد مقابلات عمار مع «شايف كيف» و»فائق النائم»، التي كانت مليئة بالمبالغات والمغالطات، نتمنى ألا يكون ضيوف البرنامج مستقبلا من أمثال أبو غزالة وعبدالباري عطوان!!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top