الغول والعنقاء والقضايا السيادية الثلاث

تتمسك الحكومة منذ الاستقلال وحتى اليوم بأمور تعتبرها سيادية، إما بحكم الدستور والقانون، أو بحكم ما استقرت عليه الأعراف.
فمنذ أول حكومة، أو بعدها بقليل، كان الوضع المالي للدولة من اختصاص جهة أكبر وأعلى من وكيل وزارة المالية، أو وزيرها. وبقي الحال على وضعه حتى اليوم. وحسب علمي، فإن لا وزير مالية استطاع منذ التحرير أن يلم إلماما كاملا بدقائق مكونات ميزانية الدولة، فما يقدم للمجلس لا يمثل غالبا الحقيقة. كما لا ترسل الميزانية للمجلس مع تفسير واف لكل بنود الصرف فيها، لتعلق الأمر بالأمور السيادية. وربما كان هناك وزير واحد، عرف ذلك، لكنه عاث في الأمر فسادا.

كما لا سيطرة حقيقية لوزير المالية الحالي، الذي كان وكيلا للوزارة لسنوات، من دون أن يهش أو ينش، على ميزانية الدولة أو أرصدة الأجيال القادمة.
***
أما الأمر السيادي الآخر الذي حرصت الحكومة على التحكم به فتعلق بموضوع الكم الحقيقي لما ينتج من بترول خام، وتاليا ما يباع أو يصدر منه. وكان اللغط يدور دائما حول وجود «فروقات» بين ما ينتج، وما يصدّر، وبين ما يورّد من ثمن لخزانة الدولة.

بالرغم من عدم امتلاكي لدليل دامغ على صحة هذا الكلام، فإن ما استجد من تغير هائل على الأوضاع المالية لمفلسين «رسميا»، أصبحوا فجأة «صانعي ملوك» بعد أن وضعوا أيديهم على «كاك البترول»، يؤكد الكثير من شكوكي.
***
أما الأمر السيادي الثالث والخطير، الذي حرصت الحكومة على التمسك بكل خيوطه فتعلق بموضوع التجنيس. فعدد الكويتيين بالتأسيس مثلا لم يتجاوز المئة ألف بكثير قبل ستين عاما، فكيف أصبح العدد مليونا ونصف المليون حاليا؟

واضح أن الزيادة لم تأت نتيجة التوالد الطبيعي، بل نتجت عن عملية «تجنيس» ممنهجة أحيانا، وعشوائية غالبا. فقد أتت فترة، مع فيضان أموال البترول، وزيادة وتيرة المخاطر الإقليمية، من قومية وطائفية، من وجهة نظر السلطة، بحيث دفعتها للاستقواء بعناصر من البادية رأت حينها أنها قد تشكل ثقلا يمكن الاستعانة به لتحقيق الأمن الداخلي، من وجهة نظرها، وشكلت بالتالي مشاعر التوجس هذه دافعا لجهات متنفذة لتقوم بتجنيس «جماعتها» والاستقواء بهم إما لترجيح كفتهم «انتخابيا»، أو في زيادة فرصهم في تقلد أمور الحكم، ولكن غالبية هؤلاء توفوا من دون تحقيق ما تمنوه، ولكنهم تركوا لنا «وضعا مأساويا» يصعب التعامل معه.

كما وقعت جريمة أخرى مكملة تمثلت في قيام نفس الجهات المتنفذة، وبدعم حكومي، بتسهيل التلاعب في درجات الجنسية، من خلال زيادة حاملي الدرجة الأولى منها.

وفي السياق نفسه، وتأكيدا على رغبة الحكومة في إبقاء أمر الجنسية بيدها، قامت مؤخرا بسحب مقترح القانون المتعلق بإجراء تعديلات ضرورية على قانون الانتخابات، الذي سبق أن قدمه وزير الداخلية السابق أنس الصالح، والمتعلق بإنشاء مجلس وطني للإشراف على الانتخابات، وإعطاء القضاء، وليس رجال الداخلية، دورا إشرافيا أكبر، ومعارضتها لمقترح القانون ربما جاءت من منطلق رغبتها في إبقاء وضع الجنسية والانتخابات تحت سيطرتها!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top