قومي.. «خلّي يقعد أخوچ»

تعتبر المجتمعات المتخلّفة الأكثر ظلماً للمرأة واستسهالاً لإهانتها، وعدم اكتراث بشكاواها، فقط لأنها «عورة»، حتى لو تعرّضت للاغتصاب، وهو الحد الأعلى لإهانة أي امرأة، إنسانيّاً ونفسيّاً وجسديّاً وأخلاقيّاً، ومع هذا تميل الأعراف المحلية، وحتى بعض الأحكام، لوضع المسؤولية على المرأة، لأنها «لم تتستّر» أو «تتنقّب» أو «تتحجّب»، وأصرّت على الاختلاط بالرجال، والخروج للعمل، ولو «لزمت» بيتها، لما تعرّضت لأي تحرّش، دع عنك الاغتصاب!!

* * *

يعتبر البعض، باستخفاف، انتشار ظاهرة التحرُّش بالنساء بكونها ظاهرة عالمية، وهذا صحيح، إلى حد ما، ولكن أغلب دول العالم تضع عقوبات صارمة للتحرّش، فرؤساء دول فقدوا سمعتهم، وتالياً مناصبهم بسبب اتهامات بالتحرّش. والتحرّش تصرُّف لا يمكن لأغلبية الرجال، فهم مدى ما يتسبّب فيه من أذى نفسي، وأحياناً كثيرة، جسدي للمرأة وكرامتها وصورتها في محيطها أو بينها وبين نفسها. وقد يكون التحرّش بكلمة أو بمسكة يد أو ذراع، أو بمضايقة خطرة أثناء القيادة، أو بإهانة ومطالبة بأن «تتستّر» وتلزم بيتها، وهذا هو الأكثر شيوعاً في دولنا المتخلّفة، ويزيد من انتشارها تعامل «السلطات» المتراخي معها، وغالباً بسبب اتفاق رأي أو موقف من بيده تطبيق القانون مع رأي «المتحرّش»، أو تراخي النص القانوني. يتضمن قانون العقوبات نصوصاً واضحة تتعلق بتجريم التحرش، ولكنها غير رادعة، خاصة في بيئة العمل، ولكنها غير مطبّقة، والأهم من ذلك ضرورة تثقيف وتعليم المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة، وتشجيع المتضررة على عدم التردّد في الإبلاغ عن أي تعد عليها، وهذا أمر ليس سهلاً، ولكن الإصلاح يبدأ من وسائل الإعلام الرسمية وغيرها، وخطب المساجد «الموجّهة»، مروراً بتدريس الظاهرة ضمن مواد الأخلاق في كل المراحل، انتهاء بسن القوانين المجرمة لهذه الأفعال. ولا عبرة لمروّجي مقولة إن سفور المرأة يشجع على التحرّش بها، فمن يقول ذلك «مريضٌ»، لا تقل حاجته لتلقّي العلاج عن المتحرش نفسه؛ فالتحرّش لم يوفّر طفلاً ولا محجبة ولا منتقبة، ولا سيدة كبيرة أو صغيرة. وسكوت البعض منهن يشجع المتحرشين على التمادي، وبالتالي من الضروري المساهمة في إبلاغ المخفر، أو أي جهة أخرى، وحتى ضمن الأسرة الواحدة، بما حدث. فظاهرة الاعتداءات الجنسية ضمن الأسرة الواحدة منتشرة، وتعرف بها الأمهات والأخوات، غالباً، ولكن مسألة «العيب» تجعلها مغيّبة.

* * *

الموقف من المرأة في «عقل الذكر» يبدأ غالبا مبكرا داخل الأسرة، عندما تطلب الأم من إحدى بناتها مثلا أن تخلي مقعدها لأخيها، حتى لو كان أصغر منها، ومن هنا يبدأ «الصبي» بالشعور بقوة ذكوريته وتسلّطه، فلا يتردد في ممارستها مستقبلا. نقف مع كل المشاركين في حملات «لن نسكت»، وتشجيع الإبلاغ عن أي حالة تحرّش. وأن تقوم الحكومة بدورها في محاربة هذه الظاهرة المقلقة. كما نتمنى على مجلس الأمة رفض مشروع قانون التحرّش، الذي ينوي بعض النواب تمريره لعيوبه الكبيرة!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top