الحفاة والحجاب

يقول سالم، المصري، إنه يقوم، ومنذ عشرين عاما تقريبا، بتوصيل والده لمحله التجاري، وإعادته للبيت مساء، ويقول إن والده قليل الكلام، ومع هذا كثرت تعليقاته في السنوات الأخيرة بخصوص ما كان يراه من مظاهر خلاعة وطريقة لبس الفتيات والسيدات في الشارع، أو وهن يقدن مركباتهن! وأنه دأب في الاشهر الأخيرة على التطاول على البعض منهن لفظا، وشكواه لا تنحصر فقط في عدم ارتدائهن للحجاب، بل وفي إصرار البعض منهن على كشف أجزاء كبيرة من أذرعتهن، وأن الأخلاق، بنظره، أصبحت في الحضيض، وأن هذا لا يرضي الله ولا رسوله، وأن على الحكومة أن تفعل شيئا لوقف هذا الانحدار والتسيب الاخلاقي المستشري. ويقول سالم انه كان يتفق كثيرا مع ملاحظات والده ويشاركه الشعور نفسه، وانه كاد في أحد الأيام أن يوقف سيارته ويوجه صفعة لتلميذة مدرسة بسبب قصر «تنورتها»، وانه لم يتردد في توجيه ملاحظات عدة للبعض منهن، وكان يتساءل دائما عن سبب سكوت السلطات عن هذا التسيّب وان في الأمر مؤامرة على الشعب، وتخريب أخلاقه لتسهل السيطرة عليه! ويقول ان مقالي عن الحجاب وحفاة الأقدام لفت نظره إلى حقيقة أنه ووالده، وطوال العشرين عاما الماضية على الأقل، لم يشكوا يوما من أكوام الزبالة في طريق ذهابهما وإيابهما، والتي كانت انظارهما تقع عليها كل يوم، ولا آلاف الذباب الذي يغطي زجاج مركبته كلما اضطر للتوقف بجانب أحد اكوام القاذورات، ولا عشرات المتسولين الحفاة الأقدام من بائعي العلكة الذين يدقون، بمذلة واضحة، على زجاج السيارة عند إشارات المرور متوسلين ومتسولين قروشا بسيطة، وإمارات الجوع والحرمان من الأكل والدراسة وربما النوم، بادية عليهم! كما لم تهزه ولا والده أو تلفت نظرهما عشرات الحفر التي كانا يضطران يوميا للوقوع فيها، ولا زحمة السير الخانقة، وعشرات القضايا والمآسي التي يصادفها كل من يسير أو يتحرك في شارع قاهري، ولكنه كان يشعر ويلاحظ كم كانت الدماء تفور في رأسه ورأس ابيه لرؤية من تقود سيارتها المكشوفة، مثلا بغير، غطاء رأس أو حجاب، وبذراع مكشوفة!

ويقول الصديق نور رازق، انه ذهب وزوجته في أحد الأيام لتخليص معاملة رسمية وهناك طلب منه «رئيس القسم»، بكل خشونة، تكليف ساع محدد بمهمة إنهاء المعاملة، والعودة في اليوم التالي لتسلمها، وهنا شعر بأن في الأمر شيئا، ولم يخب ظنه، حيث طلب منه الساعي دفع مبلغ كبير لـ «البيه»، كرشوة، لإنهاء المعاملة، وحيث ان زوجته كانت مضطرة لها فقد الحت عليه بدفع «المقسوم»، وهكذا كان، وعاد في اليوم التالي معها لمكتب رئيس القسم الذي رحب بهما، هاشا باشا، وطلب منه توقيع الأوراق في أماكن محددة من النماذج الرسمية، وأن يكتب اسم والدته وزوجته كاملين! وهنا أخذ الرئيس النماذج وفحصها ورفع رأسه ونظر إليه قائلا: أنت مسلم؟ فرد نور: نعم، والحمد لله! فقال له رئيس القسم، الذي سبق أن قبل رشوته، والذي تغير موقفه منه بسببها واصبح اكثر لطفا: كنت فاكرك مسيحي! يا أخي، ما دام انت مسلم، مش حرام عليك مخلي مراتك من غير حجاب؟!

الارشيف

Back to Top