عود للكارثة القادمة

يبدو أن مقالي عن الكارثة الاجتماعية واللوجستية وحتى الأخلاقية القادمة في ما يتعلق بقرب قيام الحكومة بإصدار 12 ألف رخصة بناء سكن خاص، قد لمس عصباً حساساً لدى الكثيرين، وخاصة من المهمومين بمصير هذا الوطن، فكانت اتصالاتهم الكتابية والشفهية منذ الصباح الباكر، ليدلوا بدلاء مقترحاتهم ويبثوا همومهم وقيم ملاحظاتهم، فكان لا بد بالتالي من العودة للكتابة عن هذا الموضوع.

***

تشكو الإدارة الحكومية مما يشبه التفسخ، بعد أن نخر فساد الأشقاء، بمعونة المواطنين، في كل مفاصلها، وكل هذا لا يمكن أن يسمح بالتعامل بجدية مع إصدار 12 ألف رخصة بناء دفعة واحدة بعد شهرين من الآن. ومن الضروري على الحكومة وقف هذه الكارثة وترتيب الأوضاع قبل أن تخرج الأمور من يدها، فليس من المعقول وضع مسؤولية الوضع القائم على المواطن وتحميله تبعات ما سيحدث تالياً. فسوق مواد البناء يشكو من النقص في المعروض، والأسعار عالية وسترتفع أكثر حتماً مع تهافت 12 ألف مواطن دفعة واحدة على شرائها. ولم يكن غريباً قيام شركة التموين بشراء حديد تسليح بقيمة 317 مليون دينار لتوفيرها لأصحاب هذه البيوت بأسعار مدعومة. كما أن هناك نقصاً مخيفاً وفعلياً في عدد الأيدي العاملة، ومقاولي الصحي والحديد والطوبار وغيرهم، فكيف يمكن تخيل بناء 12 ألف فيلا من غير توافر العمال وظروف «كورونا» والرغبة في تعديل التركيبة السكانية؟ ومن الضروري بالتالي على الحكومة التحرك بسرعة وتأجيل إصدار رخص البناء، وإعادة النظر في نسب البناء الحالية التي سمحت بتحويل أكثر من نصف المساكن العائلية النموذجية الجديدة إلى شقق سكنية، بأحجام ضخمة تسيء للمنظر العام، ومدينتا المطلاع وجنوب منطقة عبدالله المبارك لن تكونا استثناء من ذلك، حيث من المتوقع أن يقوم الجميع تقريباً بالاستفادة من أقصى نسب البناء المسموحة، مع كل ما سينتج عن ذلك من إساءة لمنظر المنطقة السكنية، وتشكيل ضغط كبير على البنية التحتية بسبب الكثافة السكانية المتوقعة نتيجة التأجير الجائر. كما سيكون هناك نقص كبير في المساحات الزراعية وآخر في مواقف السيارات وسيستخدم الرصيف الأوسط لوقوف سيارات السكان، وستقف «المرور» عاجزة، كما هي الآن، عن مخالفة تلك المركبات، لأنها تعلم أن ذلك هو المكان الوحيد المتاح لوقوف السيارات. الوقت لم يفت، والحكومة الرشيدة لم تفقد كامل قواها، وأمر وقف إصدار تراخيص البناء ليس مستحيلاً، فهو كالتطعيم، يصب في مصلحة أصحاب هذه البيوت قبل غيرهم، فهل سنتصرف بطريقة رشيدة، ولو لمرة، هذا العام؟

***

ملاحظة: أجزم بأن نسبة كبيرة من الذين سيقومون ببناء بيوتهم في المنطقتين الجديدتين سيقولون للمقاول: عندي 70 ألف دينار فقط (وهو مبلغ قرض الحكومة) وأريد بناء بيت من ثلاثة أدوار... دبّر حالك! وعلى القارئ تخيّل ما سيكون عليه مستوى البناء!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top