في رثاء روح جميلة غادرتنا

لم أعرفك شخصياً يا «أبا عبدالله»، ولقاءاتي بك كانت عابرة على مدى ثلاثين عاما. تجنبت عمدا، كما فعلت مع غيرك من كبار رجال الأسرة والدولة، خاصة من هم في سدة المسؤولية، خلق أي نوع من العلاقة معك، بل قبلت «بطيبة خاطر» الاحتفاظ بالمسافة بيننا، بالرغم من اعجابي بسيرتك، وتقديري واحترامي لتاريخك. وأشعر الآن، بعد أن غادرت دنيانا، أنني كنت على خطأ، وكان من المفترض أن ألبي كريم تلميحاتك.. ونلتقي!

***

بدأت علاقتي بك بعد التحرير بفترة قصيرة، وبطريقة غير مباشرة، عندما حضرت الاجتماع التأسيسي لجمعية الدفاع عن «المال العام»، وكان جميلا وجود من كان في وضعك ومقامك بين المؤسسين. لم تتردد بعدها بفترة في التبرع للجمعية، التي كنت أول أمين صندوق لها، بمبلغ كبير لمساعدتها على تحقيق أهدافها. بيّن تبرعك السخي ليس فقط جميل كرمك بل والأهم من ذلك مدى غيرتك على مال الدولة، ورغبتك في وقف الهدر ومحاربة الفساد، حيث آمنت بصدق، كما بينت لاحقا في أكثر من موقف ورسالة، أن لا تنمية ولا عدالة ولا تقدم بوجود فساد ومفسدين، وهذا ما دفعك غالبا للقيام بأمور غير مسبوقة في تاريخنا السياسي فور تقلدك حقيبة وزارة الدفاع.

***

حرصتُ طوال ثلاثين عاما على تتبع أخبارك، وحزنتُ، لأسباب كثيرة، عندما تقلدت أول مناصبك السياسية، وأعتقد أن متاعبك النفسية والجسدية بدأت من بعدها، ربما لأنك شعرت يومها أنك تحارب منفردا، ولهذا ربما اخترت حينها الانزواء. مسيرتك كانت رائعة في كل اتجاهاتها، ولم تستطع يوما أية جهة النيل منك، وبانت حقيقة مكانتك في قلوب محبيك في التظاهرة الكبيرة التي شاهدتها وشاركت فيها بعد عودتك، قبل سنتين تقريبا، من رحلة العلاج الطويلة، فقد كانت مشاركة كبيرة وعفوية وخالية من أية مجاملة! لقد كانت مسيرتك بالفعل زاخرة بالعطاء، وكنت أراك فخورا، والرائعة الشيخة حصة، رفيقة دربك بجانبك، بما حقّقتموه للكويت، سواء على المستوى الرسمي، أو من خلال دار الآثار الإسلامية، وغيرها من الأعمال الباهرة، وما تحليتم به من إنكار للذات والقبول بمشاركة الأمة التمتع بمقتنياتكم الثمينة الخاصة، هذا بخلاف جميل تواضعكما ودماثة خلقكما وحسن تربيتكما، وتميزكما بالثقافة العالية.

***

لقد كنت رجل دولة من الطراز الأول، يا أبا عبدالله، بالرغم من قصر المدة التي قضيتها في الوزارة. فقد كان كل محب للكويت وللإنسانية يتمنى لمسيرتك أن تطول، فالوطن والأمة كانا بانتظار «الأمل» وبأن تعطيهما أفضل ما لديك، ولكن القدر اختار لك ولنا جميعا نهاية مختلفة.. ومفجعة بالفعل..!!  فهل ستبقى جذوة الأمل مشتعلة في صدورنا.. بعد رحيك أيها المواطن؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top