الصديقان والوزير والمستشار

في منتصف ستينيات القرن الماضي، توطدت علاقتي بزميليّ دراسة بشكل كبير، حيث كنا نقضي أياماً كاملة مع بعضنا في الدرس واللهو والنقاش الحاد والطبخ والرياضة. استمرت العلاقة مع أحدهما حتى اليوم، وانقطعت مع الآخر تالياً لأسباب يطول شرحها. حدثت صدمة خلال تلك العلاقة، استعدتها وأنا أقرأ تصريحاً لأحد الوزراء «الفطاحل» السابقين، عندما صدمت، ونحن في أوج أحد نقاشاتنا الملتهبة في الدين والدنيا، وكان ذلك قبل أكثر من نصف قرن، أن صاحبيّ سيشترطان «الحجاب الكامل»، جسماً ووجهاً، على زوجة المستقبل! لم أصدق في اللحظة ما كنت أسمعه منهما، وبعد نقاش تبين لي حقيقة تفكيرهما، ووجدت نفسي في المكان الخطأ مع الشخصين الخطأ! تركت «القعدة»، التي انتهت روعتها، بحجة الصداع، وعدت إلى البيت، وكانت تلك نهاية علاقة شخصية ووجدانية جميلة، والسبب أنني لم أتخيل نفسي صديقاً لمن يحمل مثل ذلك التفكير عن المرأة.

***

ورد في موقع «دروازة نيوز» (12 /‏ 6 / ‏2020) حديث، ربما يعود إلى تاريخ سابق، لوزير العدل وزير الأوقاف السابق نايف العجمي، ذكر فيه أن القوانين الحالية تشجع المرأة على طلب الطلاق، مبيّناً أنه تجب إعادة النظر في المزايا الممنوحة للمواطنة بعد الطلاق، للحد منه! جاءت ملاحظات العجمي تلك خلال ندوة «توعوية» حول موضوع الزواج والطلاق في المجتمع الكويتي، ضمت عدداً من المسؤولين والمهتمين بموضوع تزايد ظاهرة حالات الطلاق في الكويت. وقال العجمي: نعم، القوانين الموجودة حالياً تشجع المرأة على الطلاق وهذا ما أثبتته الدراسات. وطالب في نهاية كلمته بضرورة إعادة النظر في المزايا الممنوحة للمطلقة.

***

ما أراد وزير «العدل» السابق قوله ان علينا، لكي نحافظ على الأسرة، من التفكك، ألا نكون «عادلين» مع المرأة! فسهولة القوانين الحالية (وهذا ما لا أؤمن بوجوده) زيّنت لها طلب الطلاق من زوجها، وهو هنا يفترض أن المرأة هي السبب (كالعادة) وراء أغلبية حالات الطلاق، وحتى أغلبية الشرور، والرجل هو المظلوم، وبالتالي يجب تغيير القوانين «السهلة» الحالية، وجعلها أكثر صعوبة، لكي «تأكل تبناً» وتبقى في بيت الزوجية عنوة، بخلاف إرادتها، فالقوانين السهلة دفعت الكثيرات منهن إلى هدم بيوتهن وترك أزواجهن، وتخريب علاقتهن مع المجتمع، وخسارة دخلهن والتسبب في تشريد الأبناء، كل ذلك لأن القوانين سهلة، وهذا ما لا يمكن تصديقه! فلو كانت القوانين أكثر قسوة وظلماً، لكانت حالات الطلاق أقل بكثير. أما تبعات بقاء المرأة في بيتها وهي تبكي كل يوم، وتندب حظها، وتلعن «سلسفيل» ذلك اليوم الذي ارتبطت فيه بمن يجرؤ على ضربها وإهانتها، فمسألة لا تقع ضمن اهتمامات «معاليه»؟ نعود إلى مقدمة المقال ونتساءل: كيف يختار كبار مسؤولي الدولة أصحاب مثل هذه العقليات والأفكار كمستشارين؟ كيف يمكن أن يتقدم المجتمع ويتطور إذا كان من يتم توزيرهم بهذا العداء لنصف المجتمع، الأكثر أهمية، والأكثر تعرضاً للظلم؟! أسئلة ستبقى من دون إجابة إلى أن نقترب من وضع الإفلاس المالي، حينها سنعي حقيقة وضعنا الأخلاقي، ولماذا سبقنا الآخرون! 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top