الكويت وكيسنجر

في مقال مميز كتبه الأكاديمي والسياسي الأميركي المحنك هنري كيسنجر، في «واشنطن بوست» قبل فترة، تعليقا على التحولات التي ستطرأ على العالم نتيجة وباء الكورونا، ذكر بأن «الأسطورة التأسيسية للحكومة الحديثة هي كونها مدينة مسورة يحميها حكام أقوياء، قد يكونون أحيانًا مستبدين، وأحيانًا أخيارًا، ولكنها تبقى دائمًا حكومة قوية بما يكفي لحماية الناس من عدو خارجي». وفي عصر التنوير أعاد مفكرو ذلك العصر صياغة هذا المفهوم، بحيث أصبح الغرض من الدولة الشرعية هو توفير الاحتياجات الأساسية للناس من أمن ونظام ورفاهية اقتصادية وعدالة، لأن ليس بإمكان الأفراد أنفسهم تأمين هذه الأشياء.

***

نحتاج في الكويت للوقوف برهة لإمعان التفكير في الذي حدث وفي الاجراءات التي تم اتباعها، وفيما هو مطلوب منا القيام به في القادم من الأيام. لقد هز وباء الكورونا العالم أجمع، وقلب حياتنا رأسًا على عقب، ربما إلى الأبد، وأصبح الفقير والثري، العالم والجاهل مجبرون جميعا على التعامل مع الوضع بالمسطرة نفسها. ستظهر للجميع الحقيقة المتمثلة بأن الفرق في مواجهة الوباء، بين دولة وأخرى، ليس في قلة عدد الإصابات، بالرغم من أهمية حياة كل إنسان، ولكن في سرعة إعادة الحياة لسابق عهدها، أو شيء من هذا القبيل، ورفض الشلل التام في غالبية أجهزة الدولة، وتكريس كل القوى، من صحة وغذاء ودواء وأمن، لمحاربة الوباء. لقد قامت الجهات المعنية، وبالذات وزارة الصحة وكامل هيئتها الطبية والتمريضية، ووزارتا الدفاع والتجارة والجهات المعنية الأخرى، بعمل جبار لحماية الدولة من أعدائها، وهذا دور الحكومة القوية. والآن جاء دور المهمة الأخرى للحكومة القوية والمتمثل في توفير الاحتياجات الأساسية للناس من أمن ونظام ورفاهية اقتصادية وعدالة، لأن ليس بإمكان الأفراد تأمين هذه الأشياء بأنفسهم، وبالتالي على الحكومة تغيير استراتيجيتها في التصدي للوباء، وقبول بعض التضحيات، وهذا أفضل بكثير من استمرار بقاء الوضع على ما هو عليه لفترة طويلة. فمثلاً، قبول فكرة الموت السريع أفضل أحيانا من فكرة الموت البطيء. كما أن القول بأن كل شيء يمكن حله بالمال ليس بالضرورة صحيحا، خاصة على ضوء استحالة الاستمرار في الصرف إلى ما لا نهاية. وعلى ضوء هذا الواقع لا يمكن تفهم حجر، أو بالأحرى استمرار «حبس» الآلاف في مناطق الحظر، أو تفهم سبب منع المواطنين، وحتى المقيمين من السفر للخارج، فخروج مئة ألف أو أكثر سيريحهم، ويوفر لهم فرصة إنهاء أعمالهم ويسهم في تخفيف الضغط على الطرق والكهرباء والماء والطعام، وبقية الخدمات، بخلاف تعارض القرار، غير المبرر، مع حق الإنسان في الحركة، طالما أن ذلك لا يشكل خطرا على المجتمع. خاصة أن الجهات التي سيسافرون اليها هي التي سمحت لهم بالدخول وفتحت مطاراتها!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top