لا أذن سمعت ولا عين رأت

ماذا سيكون رد فعلك عندما تكتشف أن من أحضرت لإصلاح عطل صحي في البيت بائع أدوات صحية وليس «معلّم»؟ أو عندما تكتشف أن من تسأله عن موضوع يتعلق بالمرض، بناء على الطريقة التي قدم بها نفسه كدكتور، أنه طبيب بيطري، أو مدرس جغرافيا؟ أو تكتشف أن من وكلته، بناء على معرفة شخصية عابرة، لتولي قضية معقدة، ليس محاميا ضليعا، بل خريج الشريعة، وليس له علاقة بالقوانين المدنية والمرافعات، والجزاءات ودرجات التقاضي؟

***

تعتبر الكويت الدولة الوحيدة ربما، وقد تكون هناك دولة أخرى، التي «تسمح» قوانينها «قسرا» لخريج كليات الشريعة بالعمل في مهنة المحاماة والتحقيقات. ولفهم الموضوع أكثر فإن كليات الشريعة تدرس الموضوعات التالية لطلبتها: فقه المذاهب، والفقه المقارن. تفسير آيات الأحكام. تاريخ التشريع الإسلامي. علوم الحديث. قضايا فقهية معاصرة. دراسات قرآنية، والبلاغة في البيان والأدب وغيرها من الموضوعات المماثلة. أما كليات الحقوق فطلبتها يدرسون المواد التالية: القانون الدستوري، القانون الإداري والمالي، قانون الجزاء، والقوانين الخاصة، والقانون التجاري، وقوانين الأحوال الشخصية، وغيرها. ومع الاحترام لخريج كلية الشريعة إلا أن نظرة سريعة لما يدرس في الكليتين يبين بوضوح عدم وجود علاقة كافية بين المتخصص في الشريعة والعمل في القضاء الواقف، أو المحاماة او التحقيق في الجرائم والجنح، ومن وافق من نواب ووزراء على أن «يعامل» خريج الشريعة كخريج الحقوق أجرم في حق نفسه ووطنه، وفي حق العدالة. *** 

لقد كنت، والمرحوم المفكر أحمد البغدادي، من أوائل من طالب الدولة بإعادة إلحاق كلية الشريعة بكلية الحقوق، وتوفير المواد القانونية للدارسين بها لكي يكون المتخرج في الشريعة ملماً بالقوانين المدنية ولا تقتصر دراسته على مواد دينية! ولكن طلبنا، بالرغم من وجاهته، لم يلق أذنا تسمع ولا عينا ترى ولا أنفا يشم! وزادت أعداد خريجي كليات الشريعة بشكل كبير، وأصبحوا ظاهرة تثير القلق بالفعل. وبسبب كبر أعدادهم وزيادة نفوذهم، رأى مجلس إدارة الجمعية السابق أن من «المفيد» تبني فكرة اعتبار خريج الشريعة «محاميا»، ونجحت الفكرة وصدر القرار، بدفع من قوى الظلام والتخلف، وهذا دفع المئات للالتحاق فورا بكلية الشريعة (السهلة في موادها الدراسية، مقارنة بكلية الحقوق، التي تتطلب جهدا كبيرا لا طاقة للكثيرين به)، فزادت الأعداد أكثر..! والآن هل سيأتي عاقل ويوقف هذا التخريب في جسم القضاء الواقف؟.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top