كذبة وفضيحة الأمن الغذائي

يعتبر الأمن الغذائي في هذه الأيام مساويا للأمن الصحي والنفسي والجسدي، والفريق الثلاثي المكون من وزراء الصحة والتجارة والداخلية في واجهة هذه المسؤولية. ومن أكثر الأمور التي نالت تعاطفا ودعما في الدولة، وكلفت المليارات قضية «الأمن الغذائي»، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، الذي تم استغلاله ببشاعة، تم توزيع آلاف الحيازات الزراعية والزرائب، بمساحات يصل حجم الواحدة لمليون متر مربع، ولا تقل عن 50 ألف م2، لزراعتها بما يدعم احتياجات السوق من المزروعات أو لكي تستغل كزرائب للماشية بأنواعها، هذا غير مزارع تربية الدجاج وإنتاج البيض. بعد نصف قرن من الاهتمام بهذا القطاع، وصلنا لنتيجة أن ما صرف على الفكرة من ثمن الأراضي وتكلفة الماء والسماد والأعلاف والبذور المدعومة، يكفي لجعل الكويت دولة مصدرة للحوم والفواكه والخضروات، وطبعا فشلنا في كل ذلك، ولم نغطِّ حتى ربع حاجة السوق المحلي. نكتب لكي تكون محنة الكورونا فرصة لتعديل بعض الأوضاع المقلوبة، ولوضع حد لبعض المفاسد التي أرهقتنا، والتي ستهلكنا. لا توجد دولة يمكن أن أتذكر اسمها قامت فيها حكومتها بمنح مواطن قطعة ارض تبلغ مساحتها خمسين ألف متر لكي ترسم ابتسامة الرضا على وجهه.. غير الكويت! والرضا لم يكن لشخص أو اثنين بل للآلاف. وربما كان الهدف مشاركة أكبر عدد ممكن في ملكية الحيازات، ليسود الرضا وتستحي الاعين عن حيازات أكبر بكثير. يجب الإقرار بأن قلة التزمت بمتطلبات هيئة الزراعة، واجتهدت وانتجت، ولكنها في النهاية اكتشفت ان البقاء، في غياب القوانين المنظمة، ووجود منافسة غير عادلة أمر ليس سهلا، فاكتف بإنتاج الحد الأدنى من الزراعة أو الماشية، خاصة أن محدودية المساحات المزروعة في غالبية هذه الحيازات غير عملية ولا مجدية اقتصاديا. أما الجواخير، أو الزرائب فريحتها لا تطاق. فلكي تحصل على الجاخور أو تجدد ترخيصه يتطلب الأمر إثبات «ملكية» عدد معين من الخراف. وهذا يمكن تدبيره بنقل بضعة خراف من جاخور صديق للجاخور المطلوب ترخيصه، لإيهام المفتش بأن الأمور على ما يرام. وطبعا هذا على الصغار أما الكبار فأمورهم في الهيئة التي تدور علامات استفهام كبيرة حولها «ماشية»! حتى مدير عام الهيئة، الإنسان الفاضل والمستقيم، «طقت جبده»!. أما المواد «المدعومة» التي تعطى للمزارع والزرائب فإن عليها الكثير من المآخذ. فالشعير مثلا الذي يعطى كعلف هو نفسه الذي يتم توزيعه كبذور، وهذا لا يجوز طبعا، ويحدث لأن الشراء يتم على قاعدة «أقل الأسعار»، والأقل سعرا هو الأكثر رداءة، وتكون النتيجة سيئة. فمن المفترض أن كيلوغرام البذور يجب أن يعطي مقابله 8 أو 9 كلغ إنتاجا، ولكن المزارع لا يحصل إلا على النصف تقريبا! إن ما يسمى بمنظومة «الأمن الغذائي» الداخلي نكتة سمجة ومكلفة، ويجب أن يعاد النظر فيها جذريا، أو نتوقف عن اعتبارها جزءا من أمننا الغذائي. فمنظومة الفساد واحدة ومتصلة ولا تستطيع أن تحارب جهة وتترك أخرى، وإن لم يبدأ العلاج أو «الضرب» مبكرا فلن نحقق شيئا في يوم من الأيام.

أحمد الصراف 

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top