رمية الجوهرة الوسيمة

ليس للصحافة في الدول الحرة وضع رسمي، وهي تخضع لمن يصدرها، ومع هذا سميت بالسلطة الرابعة، على اعتبار أنها مكملة لسلطات الدولة الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولكنها ليست جزءا منها، بل رقيبة عليها، او هكذا يفترض. كان للصحافة دور حيوي في إماطة اللثام عن قضايا فساد وفضائح مالية وجنسية وجرائم لم تكن حتى السلطتان، التنفيذية أو التشريعية، تعلمان بها أو اختارتا غض النظر او التستر عليها. مع دخولنا في عالم السوشيال ميديا، أصبحت هذه الوسائل تزاحم صحافة الخبر في سرعة النشر وقوته، لقدرتها على بث أي خبر كان، بكل ما يحتويه من خطورة أو كذب على مدى 24 ساعة، من دون خوف من التبعات، طالما كان الكاتب او المرسل يتخفى وراء اسم وعنوان مموهين.

***

ثارت مع بداية الأزمة قضية النقص في الكمامات وضرورة استيرادها بأسرع وقت ممكن، وتدخلت أكثر من وزارة في الأمر، ولكنها بقيت مفقودة. وفجأة أعلن عن موافقة لجنة المناقصات المركزية على تعاقد وزارة الصحة مع إحدى الشركات لاستيراد 5 ملايين قناع بلاستيكي، بمبلغ 5.5 ملايين دينار؛ أي 1.100 د.ك للقناع. ثارت ضجة على العقد، وشارك اثنان من النشطاء السياسيين في الحملة، متهمين الصحة بالفساد سواء من خلال رسائل واتس اب، أو تصريحات أو لقاءات تلفزيونية، واصفين عقد الشراء بـ«الفضيحة»، وكيف أن سعر الكمام، أكرر «الكمام»، يجب ألا يزيد على مئة فلس، وهذا ما علما به من اتصال بأحد المصانع في الخارج! زاد الضغط وزاد اللغط، وقمت شخصيا بالاتصال بأحد الناشطين وبينت له خطأ كلامه وأرقامه، وكيف أن المادة التي تم الاتفاق على توريدها للصحة هي لأقنعة بلاستيكية، وليس لكمامات نسيجية بسيطة! وأن العملية الحسابية التي ذكرها في اللقاء خاطئة. أعترف صاحبنا باللبس، ووعدني بنشر اعتذار أو «استدراك»! لم يحدث ذلك. بعد أيام أحيل البعض للنيابة لنشر أخبار غير صحيحة واتهامات لا أساس لها من الصحة ضد مسؤولين، وتبع ذلك بيومين إلغاء صفقة شراء الأقنعة!

***

تقوم الحكومة عادة بشراء ما تحتاج إليه عن طريق الشراء المباشر، أو من خلال مناقصة عامة، ولكل طريقة شروطها وظروفها. وفي الحالتين تقوم الجهة المعنية في الحكومة باستدعاء العروض والطلب من لجنة المناقصات دراستها واختيار العرض المناسب، وغالبا ما تقوم اللجنة بترسية العرض على صاحب أدنى سعر. وهنا للوزارة الحق في رفض الترسية لأسباب تتعلّق بها. ولديوان المحاسبة أيضا حق رفض الترسية لأسباب تتعلّق به. وهذا ما حدث مع عقد شراء الأقنعة. فلجنة المناقصات قامت بترسية الطلب على سعر 5.5 ملايين دينار، لتوريد 5 ملايين قناع، وأعلنت ذلك، ومنها بدأت الضجة، من دون انتظار لسماع رأي ديوان المحاسبة، الذي قام بالفعل بطلب إلغاء الصفقة! افترض البعض ان الحملة الشعبية كان لها دور في قرار ديوان المحاسبة في إلغاء الصفقة. ولكني أميل لتصديق بيان الديوان الذي ذكر أن ما ورد في «السوشيال ميديا» بخصوص الكمامات والأقنعة بعيد كل البعد عن الحقيقة، وبه مغالطات. فالهجوم على وسائل التواصل كان على شراء «كمامات» بذلك السعر المرتفع، وليس أقنعة بلاستيكية، والفرق بين الصنفين كبير. وأجزم بأنه لولا الخلط في ذهن من هاجم عملية الشراء لما كانت كل هذه الضجة. وقد يكون لخطأهما المضحك دور في الإلغاء، الذي ربما سنندم عليه، أو العكس.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top