فروسية عبدالله السند

يتخلف الإنسان عندما يجمد ويرفض التطور مع الزمن، ويصر على العيش في غير عصره. واللغة كالإنسان، تصبح عاجزة عن إيصال الرسالة متى ما جمدت وتوقفت عن مواكبة العصر، وجمودها عادة ما يؤثر على مستوى فهم المتحدث بها. فرفض التجديد يعني منع اللغة من التنفس بطريقة سليمة، والتمسك بالقديم، حتى لو كان بالياً ومعدوم الاستخدام، والفهم. هجر القديم من الكلمات والتعابير ليس بدعة، بل هو أمر يفرض نفسه، ولا يقتصر على لغة بعينها بل يشمل جميع اللغات، فالكلمة الصعبة اللفظ أو غير المقبولة، لأي سبب كان تتراجع بنفسها، وتنسى، فاين ذهبت كلمات مثل «افرنقع» و«إهلاس» و«شفن» و«عفنجج»؟ ولو تمعنا في أساليب الكتابة الصحافية الحديثة، لوجدنا أنها بعيدة نوعا ما عن الفصحى، وبها أخطاء لغوية عدة، ولكنها تؤدي وظيفتها بأفضل ما يمكن، فالهدف هو إيصال الرسالة أو نشر الخبر وليس إظهار «عضلات» كاتب المقال اللغوية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا باللجوء لأبسط الكلمات وأكثرها تداولاً وفهماً. ولو نظرنا لمستوى اللغة العربية لطلبة المدارس الخاصة بالذات، ولملايين العرب في المهجر، لوجدنا أنه أبعد ما يكون عن الفصحى، ولكنها تبقى لغة تواصل مهمة، ولم تمنعهم من كتابة الروايات والنصوص الأدبية والفنية وحتى الشعر الجميل، السهل الفهم، وهذا هو المطلوب، وليس إجبارهم على التحدث بالعربية الكلاسيكية. أما ما يبديه البعض من خوف على فهم النصوص الدينية إن ابتعدنا عن الفصحى، فلا معنى له. فلو نظرنا للمراسلات التجارية والرسائل المتبادلة بين الأفراد على شكل رسائل تجارية أو مراسلات عادية أو عقود بيع عقارية، لوجدنا صعوبة في فهم الكثير من كلماتها العامية، أو غير العربية، وهذا كان الوضع عليه قبل مئة عام بسبب انتشار الأمية حينها وما قبلها بمئات السنين، ومع هذا لم يتأثر إيمان الناس بعدم استخدام الفصيح من الكلمات، وكانوا يؤمنون بعقيدتهم كما هم اليوم، أو ربما أفضل، مع أنهم كانوا يستخدمون لغة بسيطة جداً في حياتهم وتعاملاتهم.

***

يقول المثل اللغوي: خطأ مشهور خير من صحيح مهجور. وهذا ينطبق على الرسائل أو الخطب التي ترغب جهة ما في توصيلها للآخرين. فالعبرة هنا ليس في إظهار جمال اللغة، بل ايصال التعليمات أو التحذيرات بطريقة سليمة، وبالتالي ليس عيباً اللجوء لاستخدام الأخطاء الشائعة لغرض فهم الرسالة، عوضاً عن اللجوء للكلمات الصحيحة المهجورة، فلا تفهم الرسالة وتقع المشكلة.

***

الناطق باسم وزارة الصحة، لشؤون الكورونا، د. عبدالله السند، غرد بالتالي: «علينا أن نستبدل الحرص بالخوف، والوقاية بالقلق... فالاحتياطات واجبة، والتفاؤل مطلوب». رددت عليه بقسوة قائلاً: هذا أكثر تصريح غير مسؤول ومحبط يمكن أن يصدر عن ناطق صحي رسمي!

***

لم تعجب تغريدتي البعض، من منطلق ان ما كتبه «الناطق» صحيح لغويا. ولكن تناسى المنتقدون أننا لسنا في مباراة لغوية، بل نحن في وضع خاص، وبحاجة لمن يدخل الطمأنينة لقلوبنا القلقة، وكان حريا به تجنب الجمل التي تحتمل أكثر من معنى، فهذه ليست طريقة لمخاطبة شعب فيه المتبحر لغويا ومتواضعو الفهم، لغويا على الأقل، وهم الغالبية. وكان يجب عليه انتهاج الاسلوب الأسهل لإيصال المعنى للجميع. volume 0% الخلاصة: وبما ان غرض الدكتور عبدالله من تغريدته هو إدخال الطمأنينة لقلوب آلاف من الناس، ولم يفهمها شخص واحد، فهذا يعني فشله في إيصال رسالته، وهذا ما قصدناه من وراء انتقاد التغريدة، مع الاحترام لشخصه. ملاحظة: قام د. السند تالياً بتعديل تغريدته لشيء أفضل، وهذه شجاعة أدبية وفروسية نادرة من مسؤول حكومي، فشكراً له.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top