جرائم الشرف وسرقة المليارات

ينص قانون الجزاء، المادة 153: إنه من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال وقتل من يزني بها، او يواقعها أو قتلهما معاً، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين. صدر هذا القانون قبل 60 عاماً، وقعت خلالها أحداث عظيمة وتطورت البشرية اجتماعياً وإنسانياً لدرجة لا يمكن تخيل مداها وعمق تداعياتها، ودخل العالم في حقب ومراحل عجيبة وأصبح، بملياراته الثمانية، طوع بنان أي فرد في اي لحظة، وتغير وضع المرأة، وأصبحت شريكة الرجل، وأدارت حروباً، وتحكمت في دول وتسلمت مناصب سياسية وعسكرية ومالية بالغة الأهمية والخطورة، لكن نص المادة 153 الظالم والمتخلف بقي على وضعه، لانشغال مشرعينا غالبا بتوافه الأمور! كيف يمكن أن نقبل اليوم أن يقوم شخص ما بقتل زوجته، أخته أو أمه او ابنته، ويحكم عليه بغرامة لا تزيد على 225 ديناراً، ليخرج طليقاً، بعد أن أزهق روح أقرب الناس إليه، أو هكذا يفترض، أي شرع يقبل ذلك؟ وماذا تنتظر قوى الرجعية والتخلف غير مطالبة الليبراليين بتغيير مثل هذه القوانين الظالمة وغير الإنسانية.

***

في حكم تاريخي أثلج صدري وحتماً صدر كل إنسان حر يحترم النفس البشرية، صدر عن محكمة الجنايات حكم يتعلق بجرائم الشرف، انتصر فيه القضاء لحقوق المرأة، حيث صب الحكم في اتجاه حمايتها من تسلط الرجل، بتأكيد المحكمة أن قاتل محارمه بسبب «الشك» يحكم عليه بالإعدام بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار، فلا يجوز فتح الباب على مصراعيه، كما هو حاصل الآن، ولقرون مضت، والسماح للرجل بالقتل في مثل هذه الجرائم، ومن ثم حبسه ثلاث سنوات، أو تغريمه 225 ديناراً! ويصبح الأمر في حكم المأساة عندما نعلم أن ما يشابه هذا القانون مطبق في كثير من الدول الإسلامية، والعربية منها بالذات، وتسبب في وقوع جرائم قتل كثيرة، تبين بعدها براءة المجني عليها، كونها عذراء، وغير ذلك من الأمور. وبالتالي كان من الضروري الحد من مسلسل الدم، وتوجيه رسالة لكل من تمسك بالمادة 153 من قانون الجزاء التي يراها معظم القانونيين تشريعاً ورخصة لكل رجل لاقتراف جريمة شرف بمجرد شكه في سلوك محارمه، ليخرج بعدها «مرفوع» الرأس، بحكم لا يتناسب أبداً مع جريمته. نقف مع النائبة صفاء الهاشم في سعيها لإقرار تعديل تشريعي يسمح بإلغاء هذه المادة المجحفة، بدلاً من انشغال المجلس بمشاحنات إسقاط الأحكام عن حامل الدكتوراه من جامعة «الحضارة والإبداع» الحاج عبدالحميد دشتي أو غيره من المحكومين! إن إلغاء هذه المادة الذكورية أصبح أمراً مستحقاً، فهي أعطت الرجل كل شيء، فبسببها رفضت دولنا التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من دون تحفظ، لأن الإعلان لا يقر «جرائم الشرف». والمحزن، بعرفنا المتخلف، أن غير الشريف ليس الذي سرق المليارات من قوت الأمة، بل «غير الشريف» من تقاعس عن قتل النفس لمجرد الشك! وبالمناسبة، «غردت» قبل أيام تعليقاً على حكم صدر منذ فترة، محذراً من أمثال شخصية حزبية سياسية لجأت إليه امرأة ليساعدها في وظيفتها، فأعجب بها، لكنها رفضت الخضوع لعرض المعاشرة بغير زواج، فقبل وتم لها ذلك. تركها بعد أن نال وطره، رافضاً تصديق العقد العرفي. لجأت للقضاء لكن الذئب كان يعرف ما كان يفعل حيث حُكم له بالبراءة، فالشرع لا يسمع دعوى تثبيت الزواج العرفي عند إنكار الرجل! وهذا درس للنساء من غدر من يتستر بمظاهر التقوى والورع!

أحمد الصراف 

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top