تآمُر العملاقين.. وطرقات كندا!

انتشرت، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، صور صفحات من مجلات وأخبار وفيديوهات وأفلام وثائقية وأخرى من إنتاج هوليوود، إضافة إلى دراسات وروايات، تتعلّق جميعها بظهور فيروس يضرب مدن العالم، ويخلق حالة ذعر وهلع هائلة. وتساءل مروّجو هذه المواد عن السبب في عدم تحرّك الحكومات لاحتواء هذا الوباء، أو على الأقل الاستعداد له.

* * *

تقوم الحكومات بتحديد حمولة مركبات الشحن لحماية القشرة الاسفلتية من التلف نتيجة الضغط، ولكن دراسة كندية بيّنت أن من الأفضل ترك الشاحنات تحمل ما تريد، وفرض رسوم على الوزن الزائد، ويمكن بجزء من الرسوم إصلاح خراب الطرق، ودعم موازنة الدولة بالبقية. كما تقوم دول العالم ببناء مجاري الأمطار تستوعب المعدل السنوي لسقوطها، ولا تضع في الحسبان السنوات التي تزيد فيها نسبة الأمطار على المعدل بكثير. فأي خسارة تنتج عن فيضان يزيد على قدرة المجاري، لا يقارن بتكلفة بناء نظام مجارٍ ضخم؛ لمواجهة عواصف وأمطار قد تقع مرة كل 20 عاماً! وقياساً على ذلك، لو اجتمع كبار علماء الأرض والطقس وحذّروا حكومات الدول الساحلية من أن أمواجاً عاتية ستضرب سواحل مدنهم، فهل ستقوم الحكومات، مثلاً، ببناء جدران أسمنتية عالية أمام سواحلها لحماية مدنها؟ غالباً لا. وبالتالي، فإن أي تصوّر سابق لوقوع وباء «الكورونا» لم يكن يكفي لدفع أي دولة للتحضير له ببناء الملاجئ وتخزين مئات ملايين الكمامات والكفوف وأجهزة التنفّس والمعقّمات والمطهّرات، وتجهيز آلاف غرف العناية المركزة، والمستشفيات الميدانية وغير ذلك من استعدادات خرافية التكلفة، والتي قد لا تستخدم أبداً. وطبعاً، اكتشف العالم الآن أن الصورة مختلفة تماما، وأن من الضروري، بعد انحسار الوباء، التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهته مستقبلا. وفي السياق نفسه، لوحظت شماتة الكثير من المتخلفين بالوضع الصحي الذي وجدت دول «عظمى» نفسها فيه، مقارنة بنا. وكيف وصفوا، بسذاجة مفرطة، النظام الصحي في أميركا وأوروبا بالمتهالك، وكيف أننا أفضل منهم! واضح هنا أن المقارنة غير عادلة، لا من ناحية العدد ولا المساحة الجغرافية. فالخطأ الذي وقعت فيه دول متقدمة لم يتعلّق بالتجهيزات الصحية، بل تعلق غالبا بعدم اكتراث رؤساء تلك الدول بقوة الوباء، وتأثيراته الهائلة، وتبعات الاغلاق المخيفة على الاقتصاد، هذا ما انتبهنا له قبلهم لبساطة قرار الإغلاق في دولة، لا صناعة حقيقية فيها، وقدرتها المالية النسبية على تحمّل قرار تبعات الإغلاق الشامل والتام. ونتمنى من القلب أن تبقى أوضاعنا «الصحية» على ما هي عليه، ولا نتحسّر على الاستعجال بالاحتفال بإنجازاتنا.

* * *

كما ربط البعض ما تضمّنته الأفلام والروايات، التي ذكرنا في بداية المقال، من دقة في وصف الحالة التي نعيشها، بنظريات المؤامرة، وكيف أن الدول أو القوى العالمية الكبرى تعرف «كل شيء» عن هذا الفيروس، وان إحداها أخرجته من «القمقم»؛ ليقضي على الطرف الآخر، ليخلو لها الجو، وتشتري أسهم شركاته بأدنى الأسعار، وغير ذلك من سخافات لا يقبلها العقل، وكأن كل شركات أميركا، أو الصين، ستساوي شيئا أصلا إن انهارت اقتصادات الدول العظمى، نتيجة الوباء. ما نقوله لا يعني إخلاء مسؤولية أي طرف، بل فقط لدحض نظرية المؤامرة.

أحمد الصراف 

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top