المفكر المنتهك

نيبوتزم nepotism تعني ميل أصحاب السلطة والنفوذ الى تعيين أقاربهم في المناصب القيادية والمميزة، وهذا فساد عظيم بصرف النظر عن كفاءة هؤلاء. قلة من القيادات في منطقتنا الإسلامية نجحت في عدم الانجراف وراء هذا الإغراء، وتعيين أبنائها في أعلى المناصب، أو قيام أتباعهم، بعد وفاتهم، باستغلال إرثهم الديني أو السياسي، والاستثمار في أبنائهم، وإضفاء نوع من القدسية عليهم. فعندما ضايقت السلطات المصرية عام 1958 سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، مرشد الإخوان المسلمين، قام أتباعه بتهريبه إلى جنيف، أجمل مدن العالم، وإرسال بقية رفاقه لحرّ الكويت وغبارها وذبابها.. حينها! مقالنا اليوم عن داعية مودرن آخر، ولد وعاش في كنف الإخوان، ولكن في جناحهم الأوروبي، وابن سعيد رمضان، حفيد البنا الذي ولد في جنيف عام 1962، وأتقن التحدث بعدة لغات، وحصل على تعليم مميز ومكلف جدا، وغالبا على حساب تبرعات «كرماء» الخليج، وأصبح رمضان، مع الوقت والتجربة، شخصية مؤثرة، وكان من الممكن أن يكون له دور كبير، لولا وقوع أحداث دراماتيكية أنهت توهجه. كان طارق رمضان ظاهرة ثقافية وسياسية ودينية بارزة في أوروبا، وكسب خبرته كأستاذ الفكر الإسلامي ومحاضر في جامعتي أكسفورد البريطانية، وفرايبورغ الألمانية، وغيرهما من جامعات في قطر والمغرب وماليزيا. وكان من الممكن أن يحقق الكثير، ولكن حياة التناقض التي كان يعيشها، من تزمت أسري داخل البيت، وانطلاق وتحرر واختلاط خارجه، أربكه في النهاية. تناول رمضان في كل كتبه ومحاضراته وجهة نظر تتعلق بعدم تعارض الإسلام مع الثقافة الأوروبية وجوانبها العلمانية، ولكنه فشل، وما المصير الذي لاقاه تاليا إلا دليل على ذلك الفشل، وصعوبة المزج بين مبادئ الحرية والعدل والمساواة، وبين مثله المتزمتة. كما لم يختلف في كل تحليلاته وقراءاته عن داعية مودرن آخر، سبق أن كتبنا عنه قبل أيام، سوى ان رمضان كان أكثر علما وثقافة، وأكثر حضورا ووسامة. كانت محاولاته في المواءمة بين النصوص والمثل الأوروبية المتحررة والنصوص السماوية المقيدة - حسب تفسيره - بائسة، واكسبته في النهاية عداوة حتى إخوان أوروبا، وهو بذلك لم يختلف عن ملايين مسلمي العالم، الذين قاموا بتفصيل الدين على مقاساتهم وأذواقهم. وكانت نهاية هذا التناقض بين الفكرة والمعيشة، ما قامت به سيدة فرنسية تدعى هند عياري في أكتوبر 2017، بتقديم شكوى في فرنسا ضده بتهمة اغتصابها، ووضعت كتابا عن تجربتها المؤلمة معه. وكما كان متوقعا فقد نفى رمضان صحة مزاعمها. وفي يناير 2018، قامت السلطات الفرنسية بإيقافه لاستجوابه على خلفية قضيتي اغتصاب تعودان إلى عامي 2009 و2012. ومع تزايد الأدلة ضده والضغوط عليه، اضطر في أكتوبر 2018 للاعتراف بإقامة علاقة جنسية مع المرأتين، ولكنه شدد على أنها كانت علاقات بالتراضي! كما كشفت الصحافة عن العثور على 776 صورة إباحية وجنسية على هاتفه ووسائط حفظ البيانات الخاصة به. وكانت تلك نهاية المدافع الإسلامي الأكبر في أوروبا عن الفضيلة والاخلاق والشرف، وحتى الجهاد والحجاب، وهو واحد من طابور طويل من «الكبار»، الذين خطفوا قلوب المعجبين بهم، الذين ما زالوا يعتقدون ببراءته، وان هناك مؤامرة للقضاء عليه وعلى دوره في نشر مبادئ الإسلام في أوروبا. ما لا يود رمضان واشكاله تصديقه أن الشرق سيبقى شرقا، ولن يلتقي مع الغرب بسهولة بغير قيام طرف بالتنازل للطرف الآخر عن مبادئه. فإما أن تتحول أوروبا للإسلام، أو أن يؤمن مسلمو أوروبا بعلمانية الدولة، ويوقفوا سعيهم الحثيث لأسلمتها، طيبا او عنوة. 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top