عذرية الجمعيات الخيرية

«... رجال الدين ليسوا نصابين لكن النصابين أصبحوا رجال دين!» (كما نقلها المحامي بسام العسعوسي في القبس 3/‏4/‏2020 عن الشاعر أحمد فؤاد نجم)

* * *

ليس أدلّ على صحة هذه المقولة مما نسمعه دائما من ثناء على رجال الدين السابقين ومدى تقواهم وزهدهم، وعفة لسانهم، مقارنة بما أصبحنا نسمعه من استهجان واستغراب لتحول أشخاص «زقمبية»، عرف عنهم ولعهم الشديد بالمغريات، لدعاة ومديري جمعيات خيرية ومؤسسات مالية تابعة لها! يوجد في الجسم الخيري في الكويت مجموعات محترمة، همها عمل الخير من أجل الخير، وهي ليست أدوات لأحزاب دينية أو تأتمر بأمرها، وعلى قلتها إلا أنها فاعلة ولها كل التقدير والاحترام. ولكن غالبية الجمعيات الأخرى، وخاصة تلك التابعة لأحزاب دينية معروفة، من شيعية أو سنية، لا تخلو كغالبية جمعيات النفع العام من أخطاء، ويجب ألا تكون محصنة من الانتقاد، خاصة انها تتبع أحزاباً دينية لها مصالح سياسية وانتخابية معروفة، وقد ظهرت بعد فضيحة «فزعة للكويت» حقيقة الكثير منها، ومع زيادة انكشافهم زادت شراستهم وهجومهم على كل من يأتي على سيرتهم، ولو كان ناقدا بمنطق واحترام، كما كتب الإخوة الأساتذة بدر البحر وبسام العسعوسي وغيرهما. وبالتالي لم يكن مستغربا ذلك التحريض الذي أصبح يصدر من البعض مطالبين الحكومة بتقديم كل من «ينتقد» عمل الجمعيات الخيرية إلى القضاء بتهمة ضرب الوحدة الوطنية! ولا أدري ما علاقة مطالبة الجمعيات التي تجمع مئات الملايين بأسماء أحزابها بالوحدة الوطنية؟ واضح أن الهدف هو ترهيب الكتاب والناقدين، وخوفهم من تسليط الأضواء على أنشطتهم، ورفضهم الإفصاح عن مواردهم ومصارفهم. ولا أدري كيف يريدون لهذه الجمعيات أن تتصف بـ«السامية»، بحيث لا يجوز نقد تصرفات القائمين عليها؟ لقد جُبل أهل الكويت على الخير، سواء لأغراض دينية أو دنيوية، وسنة الهيلق والطبعة وغيرهما خير مثال. كما أن أموال الخير هي التي بنت أول مدرسة نظامية في الكويت، ورعت الأيتام وسددت ديون المفلسين. وكنت في البنك شاهدا على تبرع الكثيرين لحساب من تعطلت أعمالهم أو ساءت أحوالهم. إن من يهاجم ويهدد ناقدي العمل الخيري هو مشارك معهم في الفساد، وكوني رئيسا لجمعية خيرية، وأعمل ضمن فريق مجلس إدارة مميز، فإنني أرحب بكل من ينتقد عملي الخيري ويدلني على عيوبي، ويدفعني للالتزام بأقصى درجات الشفافية والوضوح في عمل الجمعية. وسخيف ومفتر كل من يتهمني بالتهجم على الجمعيات الخيرية، فكيف أقوم بمثل هذا العمل لجهة أنا عضو فيها. كما يجب التفريق بين التهجم أو الاتهام بالإرهاب، ونقد أعمالها وسرية طرقها، وكما قال الأولون والأقربون: لا تبوق لا تخاف. فكيف يمكن السكوت مثلا عن جمعية سياسية، تشرف وتدير وتعين مجالس إدارات عشرات «الجمعيات الخيرية» عندما يعترف أحدهم بأن جمعيتهم تقوم بدعم المرشحين من جماعتهم للوصول لمجلس الأمة، كما جاء في مقال الزميل والمحامي بسام العسعوسي (القبس 3/‏4/‏2020). إننا نعتبر عملنا في جمعية الصداقة الإنسانية عملاً إنسانياً سامياً ومطلوباً، ونحن بشر، نخطئ ونصيب، وننتقد ليس لإنهاء وجود العمل الخيري بل ننتقد كي لا يخرج عن غاياته وأهدافه السامية، وقد تكرر خروج بعض هذه الجمعيات عن أهدافها السامية مئات المرات، ولدينا الأدلة على ذلك من مراسلات وزارتي الخارجية والشؤون. أعترف صراحة بأنني لو كنت في مكان الجمعيات الخيرية التي غالبا ما تكون أنشطتها عرضة للانتقاد لما ترددت في شن الحرب على أمثال العسعوسي والبحر والصراف وإسكاتهم، فالكعكة كبيرة، فهم لا يمثلون قوى رهيبة في حجمها المالي والسياسي، بل هم أيضا المتحكمون في جزء كبير من أموال الدولة، كالأوقاف وأمانة الوقف، وشؤون القصّر وغيرها!

وإلى مقال الغد بعنوان «وستقتلك الفئة الباغية». 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top