طابور الإخوان الخامس

تعرضت الأمتان العربية والإسلامية لكارثتين في المئة سنة الماضية، قيام إسرائيل ونشوء حركات التطرف الدينية. شمل تأثير الكارثة الأولى كل دول المشرق العربي، وأثر عميقا في مساراتها، وإن بدرجات متفاوتة. أما الكارثة الثانية، أو حركة الإخوان تحديدا، وما تفرع منها تاليا فقد شمل تأثيرها التخريبي العالم أجمع تقريبا، من الفلبين مرورا بماليزيا واندونيسيا وأفغانستان وباكستان والشرق الأوسط بما في ذلك إيران، ومصر وشمال افريقيا ونيجيريا ومالي وصولا لروسيا وأوروبا والأميركتين، وبالتالي كان ضررها أكثر بشاعة من ضرر قيام إسرائيل بمرات، وساهم في تقويتها، وأسالت هذه الحركات دماء وقتلت أرواحا وخربت ممتلكات وحطمت نفوسا وقوضت أنظمة بأكثر مما يمكن تخيله. تعد جماعة الإخوان من أولى حركات الإسلام السياسي في العصر الحديث، ولم تتردد في استخدام العنف تجاه معارضيها، اغتيالا أو ترهيبا، كما يدل شعارهم وسابق ولاحق أدبياتهم، بدءا من الساعاتي وحتى سيد قطب. فمن رحم الإخوان خرج الكثير من الجماعات التي اتخذت العنف منهجا ومنها التكفير والهجرة والقاعدة والجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي، وبوكوحرام، وأبو سياف، وأخيرا «داعش». كما أن غالبية من قادوا وأسسوا التنظيمات الإرهابية تربوا فكريا وفقهيا في مدرسة الإخوان، وكان فكرهم وراء كارثة 11 سبتمبر التي كان العرب والمسلمون أكثر المتضررين منها، ودفع العالم ولا يزال ثمن تلك الجريمة غاليا. وفي مقابلة لأحد قياديي الإخوان أجريت بعد التحرير، وردا على سؤال عن موقف جماعته من التنظيم العالمي، بعد خيانتهم للكويت، قال إنهم في الكويت قطعوا كل صلة لهم بالتنظيم اعتبارا من 1990/3/1! وكرر بشدة نفي وجود أي علاقة، وكيف انهم تحولوا ليصبحوا «الحركة الدستورية» لقطع أي صلة بالإخوان. وجاءت إجابته في ضوء الموقف المشين والمخجل الذي وقفه كل إخوان العالم ضد قيام دول العالم الحر، بقيادة أميركا وبريطانيا، بتحرير «وطنهم» الكويت من الاحتلال الصدامي الحقير. ولكن الشخص نفسه عاد مرات بعدها ليقول ويكتب بأن إخوان الكويت متعاطفون مع التنظيم، وعلى اتصال به. كما بين في مقال أخير له ان غلطة الرئيس مرسي الكبرى كانت في عدم قيامه بأخونة مصر؛ أي لم يحولها لدولة كاملة للإخوان، أسوة بما يجري في ديموقراطيات الغرب، عندما يقوم الحزب الفائز بتشكيل حكومة من حزبه، لتسهل له إدارة الدولة! وهذه مقارنة فجة، وتشبه مثلا قيام رئيس اميركي بتشكيل حكومة من الكاثوليك فقط، وإعلان الفاتيكان مرجعيته، لكي تسهل عليه إدارة الدولة! ولم ينس الكاتب أن يؤكد بأن خطأ مرسي كلف الإخوان خسارة الحكم، وانهم لو نجحوا في أخونتها لاستمروا في الحكم إلى الأبد، كما كانوا يخططون، ومثل ذلك اعترافا صارخا على الفكر الدكتاتوري الاستبدادي للإخوان، وقوله إن حكم مرسي كان يمكن أن يبقى إلى ان يرث الله الأرض! أما الآخر فقد كتب مدللا على سلمية حركة الإخوان برفض الرئيس ترامب وبريطانيا إدراجها ضمن قوائم الإرهاب! ووصف تصرف ترامب بـ «الحكمة»! ولم يتردد في أن يضيف بأن ما منع ترامب من تصنيف الإخوان إرهابية هو خشيته من أن يغضب ذلك دولا كتركيا وتونس والمغرب والكويت! وهذا كلام مضحك، فمنذ متى اهتم الرئيس ترامب، بالذات، برقيق مشاعر هذه الدول؟ كما اضاف أن تصنيف «الإخوان» كتنظيم إرهابي سوف يهدد الأمن القومي الأميركي، ويزعزع استقرار دول إسلامية سنية. وان تصنيف «الإخوان» إرهابية، وفقا لمرجعه «الأجنبي» سيرسل رسالة إلى العالم بأن أميركا غير حريصة على نشر الديموقراطية في المنطقة! ولا أدري منذ متى أصبح الإخوان رأس حربة الديموقراطية في المنطقة؟ متناسيا أن صاحبه ذكر قبله بيوم ان غلطة الإخوان في حكم مصر كانت في فشلهم في الإجهاز على كل خصومهم وفشلهم في التمسك بحكم مصر إلى يوم القيامة؟ وجاءت إشادة الكاتب بموقف الدولتين لأنه ربما جاء ملائما لأهوائه فوصف تصرفهم بـ «حكمة»! ولو كان قرارهم مخالفا لأهوائه لسماه «مؤامرة». ولا أدري حقيقة لماذا لم يفكر في احتمال أن قرار بريطانيا وأميركا عدم الإجهاز على الإخوان، وتركهم نشطاء واحياء، هو بحد ذاته نوع من المؤامرة على المنطقة برمتها، فليس هناك من هو أفضل منهم لدفعها لمزيد من التخلف ولمزيد من الصراع وإسالة الدماء وإشاعة القتل، ليصلوا للسلطة.. على جثث الجميع!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top