نفوذ الأحزاب الدينية

تخرج صاحبنا مهندسا، وتمكن بجهوده من فتح مكتب هندسي استشاري حظي تاليا بعقود حكومية ضخمة جعلته يجلس في القمة، وربما ساعده في ذلك كونه عضوا في مجلس الأمة لعدة دورات، ولكنه قرر عدم الترشح تاليا بعد خسارته لآخر انتخابات شارك فيها. كما كان عضوا في الأمانة العامة للإخوان، وأحد مؤسسي إحدى الحركات، التي تتبنى فكر الإخوان، دوليا ومحليا. إلى هنا وسيرته لا تختلف عن سيرة أي رجل أعمال ناجح وسياسي معروف.

***

في عام 2018، ضربت موجة أمطار موسمية كل الكويت وتسببت في تعرية الكثير من المشاريع، ومنها مشاريع الطرق، عندما تطايرت القشرة العليا لـ%80 تقريبا من طرق الكويت وتسببت في تطاير الحصى، وتعرض عشرات آلاف المواطنين والمقيمين لأضرار مادية كبيرة. كما تسببت الأمطار في غرق مدينة حديثة البناء. كشف تقرير ديوان المحاسبة، بناء على طلب مجلس الأمة، حول تداعيات موجة الأمطار التي تعرضت لها الكويت في شهر نوفمبر من عام 2018، عن قصور كبير في أداء بعض المكاتب الاستشارية لأعمال التخطيط والتصميم للمدينة الحديثة، وافتقارها إلى الخدمات الرئيسية، ومعاناتها من مشاكل بيئية بعلم اللجان الوزارية ومن قبل سقوط الأمطار. وسجل الديوان 13 ملاحظة على بعض المكاتب الهندسية تتعلق بقصور في الأداء في ما يتعلق بأعمال التخطيط والتصميم، وعدم توافر سبل لحماية المدينة من السيول، وقصور الدراسات في إصدار التشريعات التي تنظم عمل المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وقصور في تطبيق قواعد تأهيل المكاتب الاستشارية، واستبعاد كثير من الشركات المؤهلة من المشاركة في المناقصات، وقصور من مؤسسات ووزارات الدولة تعلقت بضعف جودة أعمال التنفيذ.. وغير ذلك الكثير، مثل عجز الجهات الحكومية عن تطبيق معايير التأهيل المعتمدة بالمؤسسة للبيوت الاستشارية باستبعادها 21 شركة مؤهلة من أصل 30! وهنا أيضا الوضع شبه طبيعي ويتعرض له كثير من رجال الأعمال وأصحاب المكاتب الهندسية. ثم جاءت التوصيات الرسمية بوقف كل الجهات المدانة التي وردت أسماؤها في تقرير الديوان من المشاركة في أي مشاريع مستقبلية، لحين ظهور الحقيقة ومعرفة مدى مسؤولية كل جهة متورطة، وهذا الإجراء يشبه في طبيعته التحفظ الاحتياطي على أي شخص موجه له اتهام بجريمة كبيرة، وسجنه، خوفا من تورطه في جرائم جديدة، لحين صدور حكم يبين مدى مسؤوليته. وفجأة تحركت الآلة الحزبية للدفاع عن «المتهمين»، ونجحت في إصدار تقرير مضاد لتقرير ديوان المحاسبة، يفتقر إلى الحيادية تضمن تجاهلا، بل إهانة، لكل تحقيقات وتقارير الجهات الرقابية المحترفة، عندما طالب بتبرئة كل الشركات المدانة، وتحصينها من العقوبة، ووقف سريان قرار إيقاف أي منها. وقف مغردون ومحامون شرفاء ضد الصياغة القانونية اللئيمة لكتاب لجنة التظلمات وقاموا بتعريته، وتلقف الكرة النائب الشهم أحمد الفضل وتساءل كيف يمكن لفرد، لا هو نائب ولا هو وزير، ومع هذا امتلك القوة والنفوذ لتأليب أفراد في الحكومة على زملائهم في الحكومة نفسها؟ وكان لابد من تدخل الفتوى والتشريع لدحض كتاب التظلمات ليس لغموضه، بل، أيضا، لعدم تضمنه أي قرار يلزم لجنة المناقصات برفع العقوبات عن الشركات المتهمة. وقد حدث ذلك، ولكن الآلة الحزبية تدخلت أيضا وقامت بزيارات وإجراء اتصالات بجهات حكومية متنفذة، وبالفتوى والتشريع والمناقصات لتمرير قرار لجنة التظلمات. نختم مقالنا بالتساؤل: كيف يمكن أن يصبح لمواطن كل هذا النفوذ في الوصول لمتخذ القرار، وضرب الحكومة بالحكومة، وتشكيل لجنة للنظر في التظلمات، والمشاركة في اختيار أعضائها، ووقف تنفيذ قرارات الإيقاف، لو لم تكن بعض مؤسسات الدولة مخترقة تماما من أغلب التنظيمات؟

أحمد الصراف

 

الارشيف

Back to Top