«الصحة».. والاستعداد للموت

يؤمن الكثيرون بأن الحياة قصيرة، وان علينا الاستمتاع بها ما استطعنا، وان نسرف في الشراب والطعام واللهو فليس هناك ضمان بأننا محصنون من الموت المبكر. كما يسرد هؤلاء العديد من الأمثلة من واقع تجاربهم عن أفراد عرف عنهم الاهتمام بصحتهم وعدم تناول الضار من الأطعمة، وعدم التدخين أو السهر والحرص على ممارسة الرياضة يوميا ومع هذا ماتوا فجأة لسبب أو لآخر…. ويسردون أمثلة مضادة عمن شربوا ودخنوا، ومع هذا عاشوا طويلا! كل هذا صحيح، ولكنه ينطبق غالبا على قلة نادرة، والعبرة بالأغلبية، فالحياة ليست فقط هي التي نعيشها وكيف عشناها، ولكن في الطريقة التي ستنتهي عليها، أو حالنا في سنوات عمرنا الأخيرة! فهل سنقضيها ونحن في صحة معقولة، نمارس أعمالنا كالمعتاد أو شيئا قريبا من ذلك، أم سنكون أسرى أسرة المستشفيات والأنابيب البلاستيكية تدخل وتخرج منا، معتمدين كليا في البقاء على قيد الحياة على مجموعة من الأجهزة، نعاني من مختلف الآلام والأوجاع مسببين القلق والإرهاق والحزن لأنفسنا ولمن هم حولنا من أحبة، أم سنغادر الحياة ونحن بصحة معقولة؟…هذا هو السؤال الحيوي والمهم. ما لا يعرفه الكثيرون أن رفيق العمر ليس الزوج أو الزوجة أو الأم او الابن أو الابنة أو الصديق، بل رفيقنا هو جسدنا. فهو الذي يبقى معنا عندما يبدأ الأحبة في التساقط من حولنا، وهو الذي سيحاسبنا إن لم نهتم به ويشكرنا ويريحنا إن حافظنا عليه! فالجسد هو الذي أتينا إلى الدنيا معه وهو الذي سنغادرها به، وبالتالي ما نفعله بهذا الجسد سينعكس علينا، فكلما زادت عنايتنا به زادت قدرته على الاهتمام بنا، فجسدنا هو العنوان الذي نسكنه. أما كيف يمكن القيام بذلك فسهل، ولكن الصعوبة في الالتزام. وفي السياق نفسه اطلعت على دراسة صدرت مؤخرا ونشرت في «ذي غارديان» البريطانية عن ضرورة الاستعداد للموت. فقد رأى خبراء في أكاديمية العلوم الطبية في لندن أن الموت نهاية حتمية لكل شخص، إلا أن قلائل فقط هم من لا ينزعجون من الحديث عنه، كما أن معظم الناس لا يخططون بشأن الكيفية التي ستكون عليها نهايتهم. وترى أستاذة علم الأورام بجامعة «ساسكس» بأن علينا رسم خطط لموتنا، كما نرسم خططا للتحضير لاستقبال مولود جديد، ويجب ألا ينظر للأمر وكأنه شيء مرعب، ورفض التفكير به. وتساءلت: لماذا لا نجعله يحدث بأفضل طريقة يمكن أن يكون عليها؟ وعدم التخطيط أو الحديث عن الموت يعني أن كثيرا من الناس لا يقضون أسابيعهم وساعاتهم الأخيرة كما اختاروا، والعائلات تُترك في كثير من الأحيان بشيء من الندم. كما بين استطلاع لأكاديمية العلوم الطبية أن ستة من بين كل عشرة أشخاص يشعرون أنهم يعلمون القليل أو لا يعلمون شيئا عن الساعات الأخيرة في حياة الإنسان، بينما يحصل كثيرون على معلوماتهم عن الموت من خلال الأفلام الوثائقية، أو العروض التلفزيونية الأخرى، بدلا من الحوار مع متخصصين طبيين. وقال رئيس الأكاديمية البروفيسور روبرت ليتشلر: «إن تحدّي ذلك الأمر المحظور هو في قلب الحملة الوطنية للأكاديمية». فيما أكدت بروفيسورة أخرى على ان الموت أمر محزن بطبيعته، ولكن رفض الحديث عنه يجعله أكثر صعوبة ويشكل صدمة لكل من الشخص الذي يحتضر وأهله. وأنا شخصيا لا مانع لدي من الحديث عن الموت، وأفضل أن يحدث ذلك وأحبتي من حولي، والحرارة معتدلة، وأن أموت في فراشي، كما تمنى من ربه أحد دعاة الصحوة مؤخرا، بعد أن ندم على إرسال عشرات الآلاف للموت في ساحات الجهل والخراب والتراب وتحت أعلى درجات الحرارة.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top