البداية بكر والنهاية عمر

الغبي ليس من يرتكب الخطأ، ولكن من يعيد ارتكابه المرة تلو الأخرى.
* * *
كانت لدي عام 1966 سيارة مميزة، وربما الوحيدة من نوعها في الكويت، ومن أجلها اقترضت لأول وآخر مرة في حياتي مبلغاً من المال لشرائها، وكنت في مراهقتي ومفتوناً بها. عينت بعدها بفترة مديراً لفرع جليب الشيوخ في البنك، الذي كنت أعمل به. كان الطريق للفرع مليئاً بالحفر، وخوفا على سيارتي حفظت مواقع الحفر كلها، وتجنبتها تالياً. هطلت أمطار غزيرة في أحد الأيام وغطت كامل الطريق، بما في ذلك الحفر التي صعبت رؤية معالمها، ولكن مع بعض الجهد تجنبت غالبيتها. وفي طريق العودة من الفرع، واستمرار خراب الطريق، قررت أن أتبع سيارة أجرة يعمل سائقها على نفس الطريق طوال اليوم، ولا بد أنه حفظ الحفر، وسيساعدني في تجنبها، ولكن يبدو أنه لم يتعلم من سابق أخطائه، وأوقعني فيها جميعا! * * * عندما لا تتعلم الشعوب، كما الأفراد، من أخطائها فاللعنة والتخلف مصيرها. * قام الضابط العراقي «بكر صدقي» بأول انقلاب عسكري في تاريخ المنطقة عام 1936 في عهد الملك غازي. وتبعه رشيد عالي بانقلاب آخر عام 1941، ثم تبع ذلك انقلاب الضابط السوري الحناوي في نفس السنة. وفي 1949 قام السوري الآخر، حسني الزعيم، بانقلاب أطاح فيه بشكري القوتلي. ثم حدث انقلاب الشيشكلي بعدها بأشهر. وفي 1952 نفذ نجيب وناصر أشهر انقلابات المنطقة العسكرية، وتبع ذلك سقوط الشيشكلي بعدها بعامين في سوريا على يد الأتاسي، ثم انقلاب قاسم في العراق عام 1958، وكانت تلك بداية خراب العراق، وتزامن تقريبا مع انقلاب عبود في السودان، ثم السلال الذي أدخل اليمن في الخراب، بعد أن أخرجه من خراب «أسرة حميد الدين»، ثم حدث انقلاب ثان في العراق عام 1963 أطيح فيه بقاسم، ثم انقلاب بومدين عام 1965 على بن بللا. ثم انقلاب بعث البكر وصدام في 1968 على عارف. ثم وصل القذافي للحكم في الفاتح من سبتمبر 1969، وبدأت معها مأساة ليبيا التي لم تنته، وجاء في السنة نفسها الضابط جعفر النميري لحكم السودان عن طريق انقلاب عسكري، وتبعه بعام حافظ الأسد في سوريا، الذي أطاح بالأتاسي. ووصلت الموجة لموريتانيا، عندما أطاح انقلاب بالرئيس المختار، ثم جاء العسكري السوداني «سوار الذهب» عام 1985 بأغرب انقلابات العرب، عندما عزل جعفر النميري، وسلم الحكم «طوعاً» للمدنيين، في ظاهرة غير مسبوقة، ولكن عمر البشير خرب الحلم عام 1989 وانقلب على المدنيين، وحكم السودان الفقير لثلاثين عاما، قبل أن يطيح الجيش به قبل ايام، ليتولى عوض عوف الحكم، ليتخلى عنه بعد 24 ساعة.. ولا يزال السودان وأغلب دولنا حبلى بالأحداث، وهنا لم نتطرق لانقلابات منطقتنا، وما أكثرها. القائمة طويلة، ولا ننسى في هذه العجالة المصير البائس، الذي طال صدام والقذافي وبن علي ومبارك، وينتظر البشير وبوتفليقة ما يماثله! ولكن من كل هذه التجارب لم يتعلم أحد، فالتاريخ يكرر نفسه، وبشكل تراجيدي ومضحك في الوقت نفسه، ولا أحد يريد تصديق أن أي حكم دكتاتوري زائل لا محالة. أحمد الصراف.




الارشيف

Back to Top