المرأة والانحطاط

اتذكر جيدا منذ 60 عاما أو نحو ذلك ان أول ما استرعى نظري لهشاشة ما كان يدرس لنا في المدرسة هو اختلافه مع تفكيري ومفهومي، مع كل بساطة ذلك التفكير والمفهوم. وكانت تلك بداية اختياري لطريق مختلف عن أقراني، فقد بدا الاختلاف أولا مع الموقف «التعليمي» والرسمي من المرأة، وهو الذي لفت نظري أكثر من أي أمر آخر. وبالرغم من مرور ستة عقود تقريبا على تلك الهزة الثقافية، شبه البدائية، التي تعرضت لها، فإن الموقف العام من المرأة لا يزال كما هو، ونلاحظه في كم الأمثال والأقوال التي نسمعها مثل أن هذه المرأة بعشرة رجال، أو إنهن ناقصات عقل، أو أن فلانة أخت الرجال، أو أن رجلا بكى كالنساء وغيرها الكثير الذي يبين دونية المكانة التي اخترناها للمرأة، وسكوت غالبيتهن أو ربما كلهن على هذا الوضع المهين والمذل، ربما بانتظار أن يقوم الرجل أولا بالاعتراض عليها. فعندما اضطر آخر ملوك الاندلس (أبو عبدالله محمد الثاني عشر) للخروج من غرناطة، تطلع إلى مدينته بنظرة أخيرة قبل أن يغادرها وبكى. وهنا قالت له أمه: ابك كالنساء على ملك لم تصنه كالرجال!
لتتكرر بعدها قضية ترسيخ صورة الرجل الذي لا يبكي والقادر على كل شيء، مقابل المرأة العاجزة التي تنهار وتجهش بالبكاء عند اول صدام، وهذا ما اثبتت خطأه كبريات زعماء العالم، شرقا وغربا.
لا شك أن العقائد أجمع وضعت المرأة في العصور القديمة في مرتبة أدنى من الرجل، ولكن مع الوقت تمكنت أجزاء كبيرة من العالم من الفكاك من هذه النظرة للمرأة، لكننا ما زلنا نعاني منها في عالمنا.
يعتقد الكثيرون أن الإسلام غيّر من وضع المرأة مع بداية الرسالة، وهذا صحيح ولكن كما هو منذ ذلك الزمان، بقيت الوحيدة في العالم التي لم يطرأ اي تغيير على ما يخصها من أحكام شرعية تتعلق بصميم حياتها وكرامتها. ولو كان الموقف من المرأة صحيحا فما هو التفسير لنجاح النساء في مختلف الميادين وهزيمتهن للرجال حتى في أصعبها كمارجريت تاتشر وأنجيلا ميركل وأنديرا غاندي.. وغيرهن خير مثال.
إن الوقت يمر وتكاسلنا الذهني يزداد يوما عن يوم، وتخلفنا الإنساني إلى انحدار وكل ذلك بسبب موقفنا المهين من المرأة، التي أصبحت في أعين أكثر المعادين لها والمحتقرين لكيانها، شيئا ما، فقط في وقت الانتخابات. إن هذه النظرة الدونية يجب أن تتغير، وأن تتساوى المرأة مع الرجل، وهذا اليوم آت شئنا ام ابينا، فلم نطيل من فترة انحدارنا بتجاهل هذه الحقيقة في الوقت الذي سيفيدنا كثيرا الاعتراف بالأمر الآن ومساواتها بالرجل في الكرامة والأجر والاحترام والمكانة الاجتماعية، واعتبارها انسانا مكتمل القدرات الذهنية لا يقل عن الرجل فهما واحتراما؟
منذ عقود والمرأة في العالم أجمع تناضل من اجل نيل حقوقها. وقد نجحت في كل مكان تقريبا إلا في عالمنا، حيث تقدمت قليلا لتعود وتنهار مكانتها إلى الحضيض والصومال وباكستان وأفغانستان وإيران ومصر والعراق وغيرها خير مثال.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top