فطومة وكلب نيويورك

يقول عمنا الكبير آينشتاين إن كل شيء في الحياة نسبي.. ولا استثناءات. وبالتالي عندما نتصدى لمن يصف الغرب بأنه غير ليبرالي وغير متسامح، فإننا نتكلم بشكل عام، ونقارن أوضاع دولنا التي ينال فيها الشاب والشايب حكماً بالسجن لعشر سنوات على تغريدة خاطئة، بمجمل أوضاع الغرب! والغريب أن من ينكر، بكل وقاحة، قيمة وسقف الحرية في أوروبا يصر على ألا يحرم من السفر إلى مدنها، متى شاء، وغالباً ليستخدم وسائل إعلامها ومؤسساتها ليقول إنها دول تكيل بمكاييل متعددة، وليست منصفة مع الغريب، خاصة المسلم.
قد لا تكون أوروبا جنة في عيون مطفوق، أو مدع كذاب، إلا أنها بالفعل كذلك في عيون من عرفوا السجن والظلم والقهر والتشرد والسكن في خيام تغطيها الثلوج، والذين لم يعرفوا المياه الجارية والحارة، ولا الدفء ولا الأمان، والذين نالهم ما نالهم من كبت وحرمان وقهر أسري وحجر على حرياتهم ومنع حتى من مغادرة البيت بغير مرافقة محرم أو إذن أخ لا يبلغ نصف عمرها. قد لا تعني كل هذه الأمور شيئاً في أعين هؤلاء التي لا ترى إلا ما تحب أن تراه، ولكن ما أجمل الصحة في عين مريض، وما أروع الحرية في عين أسير.
***
ورد في الصحف الألمانية أن فتاة عراقية لاجئة وجدت محفظة نقود في أحد قطارات الأنفاق وسلمتها للشرطة، وتبين أن بداخلها 14 ألف يورو، وتعود لسيدة عجوز، ونالت الفتاة تغطية كبيرة في مختلف الصحف، وبيّنت أننا جميعاً بشر ولكل منا جانبه الجميل.
ذكرني الخبر بطرفة قديمة، تتعلّق بنسبية الأمور. تقول الطرفة إن مصوراً في صحيفة النيويورك تايمز كان يتجول في حديقة في نيويورك ورأي كلباً شرساً يجري بسرعة باتجاه فتاة صغيرة يود الفتك بها، ورأى في الوقت نفسه رجلاً يعترض طريق الكلب ويرديه صريعاً، وينقذ الفتاة البريئة من براثنه، والتقطت عدسات كاميرته كامل الحدث.
تقدم المصور نحو الرجل شاكراً إياه على شجاعته، وقال له إن صورته ستظهر غداً على الصفحة الأولى من النيويورك تايمز، وتحتها بالبنط العريض: «بطل نيويوركي ينقذ فتاة صغيرة من براثن كلب شرس»! فشكره الرجل على ذلك، ولكنه نفى أن يكون من نيويورك، فرد المصور قائلاً: سنغير المانشيت، ونكتب: أميركي بطل يخاطر بحياته وينقذ فتاة من براثن كلب شرس! فرد هذا قائلاً إنه ليس أميركياً، فقال المصور: لا بأس، نغير المانشيت ونجعله «زائر لأميركا ينقذ فتاة من الموت بأنياب كلب»! فرد الرجل قائلاً إنه لاجئ من باكستان! فحك المصور رأسه، وقال: إذاً سيكون المانشيت كالتالي: إرهابي مسلم يفتك بكلب نيويوركي جميل!
نعود ونقول إن الأمور جميعها نسبية. فالحرية التي لا تعني الكثير في عين رجل حر في تنقله، وليس بالضرورة في تفكيره، لا تعني شيئاً مثل ما تعني في تفكير وعقل من أدلت برأي واكتشفت تالياً أنها قد تسجن عليه، وتترك وحيدتها، لعشر سنوات، بلا أم ولا معيل!
وعليه، بدلاً من أن نقوم بالتهجم على من اختارت أن تهاجر أو تلجأ إلى دول أخرى، أن نفكر بجدية في تعديل القوانين والأنظمة المقيدة للحريات في دولنا، فقد أصبح العالم لا يتسامح مع مثل هذه القيود غير الإنسانية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top