الأموات وتحقير الأحياء

كتب الزميل العراقي عبد الحسين طعمة مقالا قبل فترة حمل العنوان أعلاه، وأكمل الزميل الآخر محمد الهاشمي على الموضوع نفسه، ولا أجد بأسا من التطرق الى المقالين مع التصرف والإضافة.
يقول طعمة ان الاحتجاجات الشعبية التي وقعت في العراق بدأت في النجف بسبب سوء الأحوال المعيشية، وافتقار المدينة الى ابسط مقومات الحياة الكريمة. وفي المقابل تهدر ملايين الدولارات على العتبات والشعائر والمناسبات الدينية في كبرى مدن العراق، في نفس الوقت الذي تصرح وزارة حقوق الانسان بأن هناك اكثر من ستة ملايين عراقي تحت خط الفقر.
ففي داخل العتبات، التي تزار سنويا من قبل عشرات الملايين، تتوافر كل الخدمات بوفرة عجيبة، أما خارجها فلا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم ولا زراعة ولا صناعة. فكيف يمكن قبول وجود عدد من العراقيين في الأضرحة من متسولين وفقراء وأطفال وشيوخ ونساء بملابس رثة يلتمسون المساعدة المالية بمهانة، وحولهم كل هذا البذخ؟ والغريب أن من يشدون الرحال الى هذه الأماكن يذهبون اليها لأن بهم مرضا ما، ولا يلاحظون أن بعض القائمين على تلك الأماكن يمتطون الطائرات للاتجاه الى كبرى العواصم بحثا عن علاج لأمراضهم!
أما الزميل محمد الهاشمي فيقول في «شفاف» إن العراق، منذ سقوط صدام في 2003، ووصول الطبقة السياسية الحالية للحكم، أصبح يصنف من منظمة «صندوق من أجل السلام والتنمية» بـ «الدولة الفاشلة»، بعد أن أصبح هدف القيادة الجديدة الغلو والمبالغة في إحياء الشعائر بطريقة تتضمن الكثير من الإثارة للمشاعر. ففي دولة يبلغ احتياطي النفط فيها 140 مليار برميل، تقول منسّقة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فاليري آموس، ان هناك على الأقل مليوني عراقي محرومون من الغذاء إضافة إلى أربعة ملايين آخرين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن واحدا من بين كل أربعة أطفال عراقيين يعانون من توقف النمو البدني والفكري بسبب «نقص التغذية المزمن».
أما في محافظة البصرة، التي يتركز فيها الجزء الاعظم من احتياطي النفط، وتُعد شريان العراق من ناحية الثروة النفطية والغذائية، حيث تقع فيه سهول وادي الرافدين الخصبة التي تعتبر المركز الرئيسي لزراعة الأرز والشعير والحنطة، فإنها تعاني من تدهور الرعاية الصحية، وسوء التغذية وانهيار البنية التحتية للمرافق الصحية. وورد في تقرير «اليونيسيف» أن شبكة المياه والصرف الصحي في حالة سيئة للغاية، وهذا تسبب في انتشار الأوبئة والأمراض المعدية التي تنتقل في الماء، وارتفاع نسبة حالات التيفوئيد والكوليرا والملاريا. يقول الدكتور وضاح حامد، مدير مركز أبحاث الايدز العراقي، ان %73 من إصابات الايدز نشأت من عمليات نقل الدم الملوّث بالفيروس بسبب سوء اجراءات الوقاية الصحية في المستشفيات العراقية.
ما يحدث في العراق يحدث ما يشابهه في دول كثيرة عربية وجنوب أميركية وافريقية وآسيوية. فما يصرف على حفظ ورعاية وصيانة وحراسة وبناء الأماكن المقدسة في تايلند والهند، على سبيل المثال، لا يمكن مقارنته بالأوضاع المأساوية التي يعيشها سكان نفس تلك المناطق، ولكن ما العمل وهناك من يصر على تبجيل الأموات واحتقار الأحياء؟
يتساءل صديق متدين: لماذا نحرص على بناء أجمل واضخم المساجد والجوامع، ولا نحرص في الوقت نفسه على القضاء على ظاهرة الفقراء والمتسولين المنتشرين حولها؟

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top