«توتو» ولجنة الداخلية

يروى عن القس الجنوب أفريقي دزموند توتو، الفائز بجائزة نوبل للسلام، أنه قال: عندما حضر المبشرون الأوروبيون لأفريقيا، احضروا معهم الكتاب المقدس، وكان الأفريقيون حينها يمتلكون الأرض وما عليها، واقنعوا الأفريقيين باعتناق دينهم، وأن يؤدوا الصلاة خاشعين، مغمضي الأعين، وعندما انتهوا من صلاتهم، وفتحوا أعينهم، وجدوا أنهم حصلوا على الكتاب المقدس من دون مقابل، وحصل الأوروبيون على الأرض وما عليها، وأيضاً من دون مقابل.
وهذا ما حصل في الدول النفطية، فعندما هطلت الثروة عليها بطريقة غير مسبوقة، أقبل عليها «رجال الصحوة»، ممتطين خيولهم، يحملون المصاحف في يد وفي الأخرى أعلام أحزابهم وشعاراتها، وما أن انقشعت الغيمة وزال الوهم، حتى وجد الخاصة والعامة أنهم حصلوا على نسخ من المصاحف، ولكنهم فقدوا حرياتهم وثرواتهم، بعد أن فر بها من جاؤوا إليهم بالوهم.
***
قرار لجنة الداخلية والدفاع البرلمانية رفض مشروع قانون إلغاء الحظر عن إعطاء الجنسية لغير الكويتيين، ذكرني بمقولة أخرى «للقس توتو»، والتي أدلى بها إبان احتدام الصراع بين الأغلبية الأفريقية السوداء من سكان جنوب أفريقيا، والأقلية البيضاء الحاكمة، تعليقاً على العدد الكبير من الضحايا الذين كانوا يسقطون كل يوم برصاص بنادق السلطة، والخسائر المالية والاقتصادية الضخمة التي كانت تتكبدها الدولة، من أن السود سيتسلمون السلطة عاجلاً أو آجلاً، فلم كل هذا الرفض لحقيقة آتية لا محالة، ولماذا لا يتم إنقاذ البلاد من حريق محتم وإنقاذ أرواح آلاف الضحايا الذين سيسقطون في حرب أهلية لن يخرج البيض منها منتصرين.
وأنا هنا أقول إلى اللجنة، التي نكبنا بها، إن رفضهم غير مقبول، ومسار التاريخ وحتمية الواقع يقولان إن هذا الحظر القانوني وغير المنطقي سيلغى وسيتغير، شئنا أم أبينا، عاجلاً أم آجلاً، فلم كل هذا الرفض والإنكار لمسار التاريخ.
إننا في الكويت لسنا واحة منفصلة عن العالم، ولا نعيش بعزلة عنه، فقد سبق أن رفض رهط من نواب مختلف المجالس النيابية، وعلى مدى عقود، فكرة منح المرأة حقوقها في الانتخاب والترشح للمناصب النيابية، وجاءت حتمية التاريخ وفرضت على كل المخالفين للقانون القبول بالواقع، فماذا استفدنا من سنوات المنع؟… لا شيء!
نعود ونقول إن رفع منع تجنيس غير المسلم لا يعني تسهيل منحها لهم، فقواعد المنع الحالية ستبقى بيد السلطة التنفيذية، وبالتالي فإن رفع المنع يعني أساساً إزالة لطخة سوداء من سجلنا الإنساني، إن كنا بالفعل نعتقد بأننا نستحق اللقب.
إن محاولات الغيورين على مصلحة الدولة وسمعتها لن يثنيهم حتماً الرفض التعسفي لاقتراح رفع الحظر، وسيحاولون المرة تلو الأخرى لإقراره في نهاية الأمر، وسيقر، غصباً عن المخالفين لمسيرة التاريخ.
مؤسف ملاحظة هذا التخلف الحضاري لدينا في الوقت الذي قامت فيه إلهان عمر اللاجئة الصومالية السابقة، والفائزة بمقعد في الكونغرس عن ولاية مينيسوتا بالقسم على نسخة من قرآن من طباعة الكويت، وقيام الفلسطينية الأميركية رشيدة طليب الفائزة بمقعد عن ولاية ميشيغان بالقسم على نسخة قرآن تعود للرئيس الأميركي توماس جيفرسون (1743 – 1826)، وهي ترتدي الزي الفلسطيني، ليصل بهذا عدد المسلمين في الكونغرس الأميركي إلى ثلاثة، ونحن في الوقت نفسه نتصرف بمثل هذه الصبيانية في بعض مجالسنا التشريعية.
الشرهة ليست على أغلب أعضاء لجنة الداخلية، بل على الذين انتخبوهم، أو سهّلوا انتخابهم.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top