اسم سيئ لقانون أكثر سوءاً

في أواخر سني مراهقتي، قررت ترك الدراسة والالتحاق بوظيفة ما، ومحاولة تكملة دارستي الثانوية والجامعية ليلا، والسبب سخافة ما كنا ندرسه من مواد في ثانوية المثنى التجارية، إضافة الى ما كنت اشعر به من طاقة ورغبة في فعل شيء أكبر من الذهاب صباح كل يوم الى مدرسة تقليدية.
قادتني قدماي الى بنك الخليج، وأصبحت عام 1964 أصغر موظفيه، درجة وسنا، ولم يكن يفصلني عن زميلي الفراش غير التسمية الوظيفية وراتب أعلى، ربما بخمسة دنانير.
دفعتني الطاقة التي كنت أمتلكها، وربما لا تزال تشتعل بداخلي، للتفوق في العمل وفي الدراسة المسائية وأيضا في البدء بعمل تجاري صغير عصرا، ونجحت خلال ثماني سنوات في القيام بأمور ثلاثة يستغرق القيام بها عادة أكثر من عشرين عاما، وكان لذلك تأثيره الإيجابي في كامل حياتي، حتى اليوم.
أكتب هذه المقدمة بمناسبة الحوار السياسي الدائر بحماس كبير حول قانون التقاعد المبكر، فكلما زادت مطالب النواب وتكالب نوعية معينة منهم على إقراره بأي طريقة كانت، ولو «بالكرفتة»، زاد يقيني بعدم صلاحيته للتطبيق وان عواقبه ستكون وخيمة، اجتماعيا وماديا وأخلاقيا. فالكويت دولة شابة وربما ثرية ماديا، ولكنها من العالم الثالث، وبالكاد يساهم مواطنوها في بنائها، وإرسال أو تشجيع عشرات الآلاف من موظفي الدولة الى التقاعد المبكر سوف ينتج عنه خراب أسر كثيرة وزيادة رواد المقاهي، والاتكال أكثر على غير المواطن في أداء الأعمال، وبالتالي فإن لدي يقينا بأن من يلهث وراء إقرار هذا القانون، الذي يكفي اسمه لكي أتوجس خيفة منه، هم غالبا من الذين لا تهمهم مصلحة الكويت، وقد يكونون في الغالب من جماعة «خذ ما أتخذ» والمؤمنين بأننا نعيش في دولة مؤقتة وثراء مؤقت، وهمهم الأول والأخير (مرحليا) هو كسب بضعة أصوات انتخابية، هزيلة القيمة والمعنى.
أما الحديث عن إيجابيات القانون المتمثل في «القرض الحسن» وزيادة مكافأة نهاية الخدمة، فإنها «مزايا» سخيفة لا تقارن بمضار القانون، وستؤدي هذه المزايا نفسها، في الغالب، الى ضعضعة الوضع المالي لمؤسسة التأمينات، ولو وجدت أي إيجابية فهي لا تعني الكثير أمام سلبياته التي تسمح مثلا بالتقاعد في سن الخمسين وهي سن مربكة لا تصلح في الغالب لأن تكون سن تقاعد فعلية، ولا حتى لبدء عمل أو مشروع تجاري جديد، كما كان الحال معي قبل أكثر من خمسين عاما، ففرص العمل قليلة، وهناك أكثر من 111 ألف مطعم في الكويت فما الذي سيفعله من سيتقاعد، وهو في الخمسين، أو أواخرها، سينطنط من مطعم الى آخر ومن مقهى الى غيره، أو يتزوج بثانية أو ثالثة ويفسفس في مدخراته؟
الوطن أمانة، وكرسي النيابة أمانة، ومصير الأجيال القادمة أمانة، ويجب عدم الاستعجال في إقرار قانون مهلهل، وترك عشرات القوانين الأخرى تنتظر دورها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top