الأخلاق قبل التدين!

على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الإدارة العامة للمرور، وما تقوم به هيئة الطرق من توسعة للشوارع، وإنشاء جسور وطرقات جديدة فإن المشكلة المرورية في تفاقم مستمر، وضحايا حوادث المرور، خاصة المميتة منها، في تزايد غير معقول، والسبب أننا ركزنا اهتمامنا على الكونكريت والأسفلت والحجر ولم نهتم بعقول البشر قائدي المركبات ولا بأفكارهم ولا بأخلاقهم. ولو استمعت الحكومة لنا على مدى الثلاثين عاماً الأخيرة على الأقل وضمنت مناهج المدارس دروساً تتعلق بأخلاقيات استخدام الطرقات وقيادة السيارة لكان حالنا الآن أفضل بكثير، ولما تكبد الوطن عشرات آلاف الضحايا من دون سبب. فغالبية مستخدمي الطرق يعتقدون أن مركباتهم هي وسيلة مواصلات أو لكسب الرزق أو للمباهاة بها أمام الغير، دون إدراك أنها يمكن أن تكون أداة قتل خطرة، ولهذا لجأ مجرمو داعش في الأشهر الأخيرة إلى استخدامها في قتل الكثيرين، فهي كالرشاش في يد أي سائق أرعن أو غير مدرك لخطورتها. وبالتالي فإن مشكلة المرور في الكويت مشكلة أخلاق قبل أن تكون قضية أنظمة وقواعد وغرامات، ولهذا من الصعب تفسير كيف يمكن أن تصل أعداد مخالفات تجاوز الإشارة الحمراء، وهي الأخطر، في دولة صغيرة 200 ألف مخالفة في سنة واحدة؟! وبالتالي فإنه على المسؤولين الاقتناع بأن المشكلة لا تعالج بتقليل أو تقييد منح إجازات القيادة، فمن لديه واسطة سيحصل عليها حتماً.
دخلت عام 1985 في تجربة مثيرة للحصول على إجازة قيادة بريطانية، بينت لي مدى اهتمامهم بحياة البشر وحتى الحيوانات. وعلى الرغم من أنني وقتها كنت قد تجاوزت الأربعين، ولدي خبرة قيادة تزيد على العشرين عاماً، فإن ذلك لم يشفع لي وجرى التعامل معي كمبتدئ، وبين لي هذا أنهم لن يسمحوا لأحد بقيادة المركبات على طرقاتهم إن لم يكن يستحق ذلك «الشرف»! واكتشفت تالياً ما لهذه الإجازة من احترام أينما ذهبت في العالم. وبالتالي نحن بحاجة لتدريس أخلاقيات ومبادئ المرور في المدارس، بعد أن سلمنا مناهجنا لقوى التخلف والتطرف. كما يجب جعل اختبارات منح إجازة القيادة أكثر تشدداً، ونتائجها سرية، ومنع التدخل فيها بأي شكل كان، وبغير ذلك سيستمر الدمار، وتستمر مأساة إراقة دماء الأبرياء على الطرقات!
ملاحظة: استرعت نظري مؤخراً زيادة أعداد المركبات المهشمة التي يتم حجزها، وإيقافها أمام المخافر، نتيجة تورط أصحابها في حوادث مرور مرعبة. فإضافة لمنظرها الكئيب والمسيء إلى النظر والبيئة، وغير الرادع، فإن بقاءها في أماكنها لأشهر طويلة لا يخدم أي غرض وقد يساء استخدامها كمأوى أو لاقتراف ما لا يصح. ومن منطلق حرصي على المصلحة العامة قمت بالاتصال باللواء إبراهيم الطراح، وكيل «الداخلية» للأمن العام، وعرضت عليه المشكلة، فأصدر أوامره بإزالتها خلال 24 ساعة، وهذا ما جرى. فشكراً له ولجميل تجاوبه.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top