شريطا الذكريات

الشريط الأول: أصبت بصدمة وأنا أستعرض مجموعة صور شخصية وعائلية تعود إلى ستينات القرن الماضي، مطبوعة على شرائح «سليدات» يمكن رؤية صورها من خلال عدسة البروجكتور التي تعكسها على الشاشة، أو الحائط. وبالرغم من مرور نصف قرن فقط على تلك الصور فإن التغير الذي طرأ على الملابس والعادات والتقاليد، وحتى قصات الشعر وطريقة الوقوف بدا كبيراً، ومخيفاً أحياناً.
من الحقائق المعروفة أن وضع المرأة ومكانتها، في أي مجتمع أو دولة، مؤشر على تخلف أو تقدم تلك الدولة. فالدول التي ارتفعت فيها مكانة المرأة، الأم والأخت والابنة والزوجة، تقدمت بشرياً وصناعياً وأخلاقياً أكثر من المجتمعات التي بقي فيها وضعها من دون تغيير، او اصبح أكثر سوءاً مما كان عليه، كحال غالبية الدول العربية والإسلامية، والكويت ليست استثناء. فكلما زاد تخلف الدولة انحدر مستوى المرأة، والعكس صحيح، ومع الأسف الشديد ليس لهذه القاعدة من استثناء، وهذا مؤشر خطير خاصة عندما نعلم أن عدد الدول المتخلفة أكبر بكثير من المتقدمة، وحتى المتقدمة كانت وإلى فترة قصيرة منحازة ضد المرأة. ففي سويسرا مثلاً لم تمنح المرأة حقوقها السياسية إلا عام 1971 وسبقتها في المنح غالبية الدول الأوروبية، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان للعقائد الدينية غالبا الدور الأكبر في منع المرأة من نيل حقوقها وفي المساواة السياسية والاجتماعية الكاملة، ولا يزال.
الشريط الثاني: في أواخر ثمانينات القرن الماضي، أصدر بعض غلاة رجال الدين فتاوى تشدد على تحريم التصوير، وزادوا عليها تحريم اقتناء الصور العائلية. وهنا قام كثيرون بتقطيع صورهم الشخصية، وإزالة المحفوظ منها في إطارات تزين حوائط البيت، وإتلافها أو حتى حرقها، ووصلت العدوى حتى إلى بيت والدي، حيث أزيلت كل الصور الشخصية، ولكن لم تحرق بل تم الاحتفاظ بها في الخزائن، لتضيع تالياً.
بعدها بعشرين عاماً تقريباً زال تأثير تلك الفتاوى تدريجياً، ثم رأينا مؤخراً بعض من سبق لهم أن أفتوا بحرمة التصوير واقتناء الصور الشخصية، يحمل هاتفه النقال ويلتقط صوراً «سيلفي» لنفسه وخلفه مجموعة من رجال الدين، من جماعة: الأشداء على الغير اللطفاء مع أنفسهم.
وهذا التصرُّف المتناقض رأيناه في عشرات المواقف الأخرى التي تم التنازل عنها، او تجاهل سابق ما أفتي بشأنها بناء على تغير «الزمان والظرف والمكان»، أو بطلب من «ولي الأمر». فمع بداية حركة الصحوة الخربة، وانهمار البترودولار على المجاهدين، وعلى الحركات الدينية، والسلفية بالذات، حرم رجال «كبار» الدين المشاركة في أي حركة سياسية «ديموقراطية»، وأنها إثم وتقليد للغرب. لكن بعد أن شاهدوا العز والثراء والمكانة الاجتماعية التي حققها المعادون لهم من أتباع الأحزاب الدينية الأخرى، من أمثال «كبت أمه»، أصدروا فتاوى مغايرة تركوا لأتباعهم فيها، وإن على استحياء في البداية، الحرية للمشاركة في الانتخابات. ثم تطور الأمر وأصبحوا يطالبون الجميع بـ«ضرورة» المشاركة، بعد أن تبين لهم مدى ما حملته من فوائد شخصية وحزبية وأصبحوا مشاركين فعالين في العملية السياسية، ووزراء ونواباً ونشطاء سياسيين من السلف، وهم الذين كانوا حتى الأمس زاهدين في كل هذه الأمور الدنيوية، بل وتطور الأمر معهم وأصبحوا يسعون جاهدين للاقتداء بغيرهم وتزوير شهاداتهم العليا لكسب مكانة دينية أكبر ونفوذ أعمق، ولو بالتزييف. كما أصبحوا يقررون من له حق النجاح في الانتخابات النيابية، وهم الذين كانوا حتى وقت قليل يحرمون المنازلة في ميادينها!
طبعاً نحن لسنا ضد التطور والتغيير، خاصة إذا كان للأفضل، لكن هذا يجب أن يشمل كل شيء. كما نحذر من الانقياد وراء دعوات هؤلاء المتخلفين.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top