استمرار نشر التفاهة

يعتبر الأكاديمي والسياسي السابق عبدالله النفيسي من المنظرين السياسيين المعروفين لعدد من القنوات التلفزيونية التي تبحث عن الإثارة، وهو في جميع الأحوال متحدث بارع وصاحب أسلوب معروف في إقناع من يستمعون له، خاصة من أنصاف المتعلمين، وهؤلاء يشكلون الغالبية في شعوبنا. كما أنه صاحب ذاكرة قوية ومواقف حادة وآراء واضحة غالبا، وإن كانت شديدة التقلب من جانب الى آخر.
انتخب النفيسي عضوا في مجلس الأمة عام 1985، وكان نشطا. كما عمل أستاذا للعلوم السياسية في جامعة الكويت، وسبق أن تلقى تعليمه في الجامعة الأميركية في بيروت، في عز مجدها، قبل ان يحصل على الدكتوراه في نفس تخصصه من كلية تشرشل بجامعة كامبريدج البريطانية عام 1972.
يميل السيد النفيسي في أحاديثه التلفزيونية ومحاضراته الى محاولة التأثير في مستمعيه وجذب انتباههم من خلال ما يستخدم من تعبيرات وكلمات «خاصة»، وما يسرده من معلومات وما يذكره من اسماء تعطي الانطباع بسعة اطلاعه، ومعرفته بمراكز اتخاذ القرار، وقوة ذاكرته، ولكن كثيرا ما يضع نفسه في مواقف محرجة ويتفوه بأمور بعضها أبعد ما تكون عن الحقيقة.
ففي مقابلة تلفزيونية يقول التالي: «عندما اراد الأميركيون غزو العراق في 2003 انطلقوا من معسكرات في الكويت. ولكن قبل أن ينطلقوا بأيام جاء وفد من الموساد الإسرائيلي إلى الكويت وزودوا الجيش الأميركي بقائمة تتضمن اسماء العراقيين الذين يعملون في المفاعل النووي العراقي. وطلب الموساد من الأميركيين أن يقوموا عند وصولهم للعراق بالقبض على هؤلاء و«شحنهم» إلى أميركا للاستفادة من خبراتهم، ومن يرفض التعاون يقتل في بيته.. (في بيته؟!).
وعندما وصل الجيش الأميركي الى بغداد كانت أهم مهمة لديه البحث عن هؤلاء العلماء المتخصصين في الفيزياء النووية، وكانت الدكتورة هدى صالح عماش، المتخصصة في السلاح الجرثومي، أول هؤلاء، حيث بحثوا عنها في كل زقاق (فهمت كيف) وبحثوا عن علماء آخرين وتمكنوا من «شحن» 70 منهم الى أميركا، والذين رفضوا التعاون، وعددهم 310، قتلوا في بيوتهم، وهؤلاء كانوا يدرسون الفيزياء النووية في الجامعات العراقية، وهم الذين كان يعتمد عليهم صدام كقاعدة علمية! انتهى
طبعا هذا كلام فارغ ولا معنى له، فهدى صالح مهدي عماش كان مطلوبا القبض عليها لصفتها الحزبية وليس لخبراتها النووية، أو البيولوجية، ولو كان النفيسي فطنا حقا لما ذكر اسم هذه العالمة بالذات، حيث انها لم «تقتل في بيتها» ولم يتم «شحنها» إلى أميركا، فهدى عماش كانت تشغل منصب عضو قيادة قطر العراق، وهو منصب قيادي في حزب البعث، وورد اسمها على لائحة الـ55 مطلوباً للسلطات الأميركية من أركان النظام العراقي، وتم اعتقالها بعد اجتياح الجيش الأميركي للعراق عام 2003، وأطلق سراحها من قبلهم عام 2005 مع 7 آخرين من أركان نظام صدام لعدم كفاية الأدلة بتورطهم بجرائم حرب، وبعد ذلك غادرت العراق إلى الأردن حيث توفيت هناك عام 2013 متأثرة بسرطان الثدي!
كما لا أدري لماذا يجب أن يأتي وفد من الموساد الإسرائيلي الى الكويت ليطلب من الأميركيين القبض على العلماء العراقيين وقتلهم، أو «شحنهم» الى أميركا، وكأن ليس هناك وسيلة اتصال غير قيام وفد من الموساد بزيارة الكويت (شايف كيف الإثارة؟) ولا أدري لماذا يجب قتلهم في بيوتهم، وليس في أي مكان يتواجدون به، ألا ينفع الشارع مثلا؟
إنني أعود الى هذه المقابلة عطفا على مقالي في الأسبوع الماضي المتعلق بوجود من يسعى بالفعل لنشر أمور قد توصف بأوصاف غير مستحبة أو لائقة بيننا وفي حياتنا عبر مقابلات وخطب ومقالات غالبا ما تكون بعيدة عن الحقيقة والجدية.. ونحن أصلا مش ناقصين!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top