رقصة التانغو والأخلاق

يقول المثل الغربي it takes two to tango، أي أن أداء رقصة التانغو يتطلب اثنين، وهذا ينطبق على أمور كثيرة في الحياة.
أكتب ذلك بمناسبة ما ورد على لسان صديق، وما يتم تداوله على وسائل التواصل، من تأثير أبناء جالية معينة أو غيرها على وضع الفساد في الكويت، وكيف أن وتيرتها زادت في سنوات ما بعد التحرير وبلغت الذروة مؤخراً!
قد يكون ما ذكر صحيحاً، ولكن انتشار الفساد يعود في جزء كبير منه لتطور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت بتسليط الضوء على كل شاردة وواردة، مع بهارات هنا وهناك، وهي الوسائل التي لم تكن متوافرة حتى قبل بضع سنوات، بحيث أصبحنا نشعر كأننا نعوم في بحر من الفساد، وهذا غير صحيح. فأنا مثلاً أقوم شخصياً بإنجاز الكثير من المعاملات التجارية أو غيرها، أو تنجز عن طريق الهاتف، أو المندوب، ولا تعترضني عادة قصص الرشوة المعتادة، ولا يعني ذلك عدم وجودها وانتشارها، ولكن الأمر ليس بتلك الصورة المفزعة.
الفساد مسؤولية مشتركة بين المدير المسؤول، وهو مواطن غالباً، وبين الآخر الراشي، وهو وافد غالباً، وبالتالي من الخطأ لوم طرف واحد واعتبار الآخر، الكويتي من الملائكة. فجرائم تزوير الشهادات وتزوير سمات الدخول، والمتاجرة في البيانات الشخصية والمتاجرة بالبشر، أو العمالة المنزلية، وتزوير الشهادات الصحية وشهادات الخلو من الأمراض المعدية وغيرها الكثير كانت منتشرة في الكويت منذ سنوات طويلة، وكان طرفاها، في أغلبية الأحيان، مواطناً وفراشاً!
وفي خضم كل هذه الفوضى والحقائق والإشاعات عن المزورين وحملة الشهادات الوهمية والمزورة، وفي حقيقة أعداد هؤلاء وشمولهم كل قطاع تقريباً، نسينا تماماً قضية أو فضيحة توزيع الحيازات الزراعية، وأصحابها اليوم يبتسمون من غبائنا، ومنهم من يحمل شهادة دكتوراه مزوّرة! فهل في قضية الحيازات الزراعية أي وافد أم أنها بين كويتيين فقط؟ كما نسينا قبلها عشرات الفضائح الأخرى.
إن المشكلة ليست في تزوير الجنسية وتزوير الشهادات الدراسية، وليست في انتحال الشخصية، ولا في الجواخير الحيوانية، ولا في خراب البلدية، ولا في ازدواجية الجنسية، ولا في الانتماء، ولا في الإيداعات المليونية، بل في عدم اهتمامنا بلب المشكلة، وهو غياب الأخلاق. فقد تقاعست الحكومات المتعاقبة عن جعل مادة الأخلاق جزءاً أساسياً من المنهج، وركزت بدلاً من ذلك على الدروس الدينية والحفظ والصم. فأصبحت الأغلبية متدينة في مظهرها الخارجي، ولكنها تفتقد الأخلاق الصحيحة. ومع استمرار تجاهل الحكومة الرشيدة لأهمية الأخلاق في المدرسة والبيت والمجتمع سيستمر مسلسل الفضائح إلى ما لا نهاية.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top